قبل نحو عام ساقتني قدماي نحو ابن بلد يعمل في متجر راق للعطور في مجمع تجاري كبير ... بادر هو اولا ليبرهن لي خلوه من فايروس الطائفية ، فقال ان اسرته تحرص على دفن موتاها "يرحمهم ويرحمكم الله" في النجف الشريف . ثم هوى بمطرقته ثانية على سماخي عندما اكد لي ان اسمه حيدر !!! جيب الليف وودي الليف ( ماركة عراقية مسجلة لا اعرف معناها الحرفي ) ، اي بعد ان لعن الاثنان واشنطن والاباء المؤسسين والحجي ابن طويريج معهم ،كونهم سبب انجراف البلاد والعباد الى قاع مستنقع الطائفية ، وبينما كنا نوشك ان ننهي اجتماعنا الثنائي ببيان يعكس جو اللقاء الودي وتطابق وجهات النظر في مجمل القضايا الدولية بما فيها التبادل السلمي للسلطة في افغانستان ، انزلق الحوار الى جدوى او عدم جدوى الاطاحة بقصاب بغداد وعصابته قبل عشر سنوات . سالني حيدوري "اسم الدلع" عما اذا كانت الاوضاع - في رايي - تغيرت نحو الاحسن ... فلمست الاكفهرار على وسامته عندما اجبته بما لا يحب . حينها شكا لي من تردي الاوضاع خاصة في السنتين الاخيرتين "من ذلك التاريخ" حيث اضطُر الى مغادرة العراق بعد ان باع على عجالة ما صغر حجمه وغلا ثمنه . ثم اقسم لي بالايمان المغلظة انه كان يمتلك اجمل محل في حي المنصور الراقي قرب معرض بغداد الدولي و انه كان يعيش منه افضل حياة . لكن فرحته بالحياة الوادعة لم تدم لان "المالكي" قاطع الارزاق وهادم اللذات حجز المنطقة التجارية بكتل أمنية ضخمة فبارت السلع وتلقى البزنص "عِچسية" على اليافوخ . طبعا الاخ حيدر لم يشأ ان يفسد علي ابتهاجي بعطور متجره الانيق ، فراعى - قدر المستطاع - ميولي لتغيير ما بعد ٢٠٠٣ بكياسة تتناسب و اناقته المفرطة . وقبل ان اغادره الى حيث لا لقاء ، سالته بشيء من الخبث عما اذا كان سيحضر احتجاجا في واشنطن في الـ Week End بعد يومين على جريمة المقابر الجماعية التي التهمت قرابة نصف مليون انسان محترم ، نصفهم مجهول الهوية . فكان ان "سمطني" برد مفحم وبلهجته البغدادية المحببة : وداعتك ابو مجيد آنه ناوي ما ادخل بالسياسة " !!! . غادرت المحل وانا المح بعيون قفاي اللعنات التي كانت تطاردني . فجأة احسست بفضاء المحل وهو يحمل مواصفات مقبرة جماعية لكن بعطر آخر . وتيقنت ان القلة من العراقيين ممن لم تمسسهم نار العوجة انصفوا التاريخ ، وهو تاريخ مايزال طريا . والموضوع لا يخص طائفة معينة . فلدي من الاحبة السنة الموضوعيين من يشرف براز خرافهم في أرياف ديالى والرمادي جباه آلاف المنتفعين ممن كانوا في منأى عن طوفان برزان ووطبان وخـ ... ن . اليوم وانا اتذكر عبارة صديقي حيدر : "المالكي وضع الحواجز الكونكريتية " ، علمت سبب اصرار قناة العربية على تسمية الجيش العراقي بـ "جيش المالكي" . هذه القناة اخطأت بحق الملك "ابو متعب" ولم تخطىء مرة في تسمية " جيش المالكي" . لم اكن اتمنى كاليوم نهاية لعهد المالكي . فاني كالاخرين ادعو بزوال حكم "نيرون بغداد الجديد" لارى بام عيني بغداد بعده وهي تستعيد هيبتها في كل شيء ، عمرانا ومكانة وجمالا ، والاهم من كل ذلك ، خلوها من المفخخات الصديقة . وان غدا لناظره لقريب ... قريب اكثر مما نتصور . ملاحظة : (مَن شاء ان يكتشف جانبا من ملامح الطائفية في العراق فليقرا : حنا بطاطو رحمه الله ، وشيئا من الدكتور خالد الذكر علي الوردي فعندهما شىء من الخبر اليقين ). طابت جمعتكم جميعا .
مقالات اخرى للكاتب