هل ان ما حدث في العراق في التاسع من نيسان ٢٠٠٣ كان احتلالاً أم تحريراً؟ لا يزال العراقيون غير مجمعين على إجابة واحدة على هذا السؤال، فهم بين من يسميه تحريرا للعراق من سطوة نظام بالغ في القسوة والشراسة بغض النظر عما تبع ذلك من تطورات، وبين من يسميه احتلالاً أطاح بسلطة عراقية مهما قيل عن قسوتها وظلمها، بل أن غالبية أصحاب هذا الرأي لا يرون للنظام السابق سلبية ولا ظلماً لأحد. وبين هذا وذاك فريق يرى ان الاميركيين أطاحوا بصدام وحرروا العراقيين منه، لكنهم كانوا غزاةً طامعين لهم مخططهم وأجندتهم. هذا الانقسام في الرأي يستتبع انقساما في مدلولات بعض النعوت لذلك اليوم المفصلي في تاريخ العراق، فـ"السقوط" توصيف يستخدمه الجميع تقريبا لكن مدلولاته تختلف من فريق لآخر. من يعتبرون التاسع من نيسان تحريراً يرون أنه يوم سقوط النظام، فيما يراه الفريق الآخر يوما لسقوط بغداد بيد المحتل.
وإذا كان الموقف مما جرى قبل اثني عشر عاما يتنوع ويتعدد في التفاصيل، فان الخط العام لتقييم هذا التاريخ يتوزع بين معارض لما جرى فيه ومؤيد صريح أو على استحياء. يقوم المحوران على قاعدة الموقف من النظام السابق وسياساته، فالفريق الذي كان يرى فيه نظاماً وطنياً (حتى لو أشكل على بعض سياسياته)، رأى في الاجتياح الاميركي للعراق احتلالاً، واعتبر الحكم الجديد، إفرازاً للاحتلال رغم ان جانباً كبيرا من هذا الفريق يشارك في هذا الحكم. أما الفريق الآخر الذي كان في جانب المعارضة للنظام السابق وكان يسعى للخلاص من ذلك النظام بأي ثمن، فانه نظر الى الدخول العسكري الاميركي تحريراً للعراق، رغم أنه تحفظ فيما بعد، علنا أو سراً، على الاداء الاميركي في العراق، بل أن جانباً من هذا الفريق رفع السلاح بوجه القوات الاميركية، وبالغ البعض في ذلك رغم ان ذلك الاجتياح العسكري الاميركي كان سبباً في تخلّص هؤلاء من قمع النظام السابق، بل وفي وصولهم الى السلطة.لا يتساوى حجم الفريقين المنقسمين حول تسمية ما جرى في التاسع من نيسان، فهم يتوزعون بين أقلية وأغلبية (سياسية طائفية) لكن النسبة قد تتغير عندما يكون الحديث عما بعد التحرير- الاحتلال، وما جرى من ممارسات على الارض بعدما تحول غالبية المرحبين باسقاط صدام، الى معارضين لممارسات القوة التي أسقطته.
قد يرجع ذلك الى سوء سياسة وأداء الجانب الاميركي أو تغيّر اتجاهاته، وربما يرجع جزءاً منه الى سذاجة تفكير بعض القوى المعارضة لصدام والمؤيدة لاسقاطه، والنظر للاميركان على أنهم جمعية خيرية مهمتها إسقاط الانظمة الدكتاتورية خدمة إنسانية للشعوب.اليوم، وبعد إثني عشر عاما من زوال نظام صدام، يبدو الموقف من الجانب الاميركي مختلفاً. الفريق الذي نظر إليه كمحتل، بات يخطب ودّه ويطلب تدخله سياسيا، وحتى عسكريا، فيما الفريق الآخر بات - بغالبيته- ينظر بعين الريبة والاتهام الى واشنطن. لكن العامل الرئيسي في الانقسام العراقي يظل كما هو: الموقف من النظام السابق.
مقالات اخرى للكاتب