أصبح المصريين اليوم مضرب المثل ومحور الاهتمام الدولي في العقلانية والحكمة واختيار نهج الحوار الوطني بين مختلف فئات وطوائف ومجاميع المجتمع المصرى للخروج من المأزق الذي نعاني منة وحل ومعالجة كافة القضايا الوطنية العالقة والتأسيس لبناء مستقبل مصر الجديدة بالصورة الذي نريد نحن أبناء الشعب المصرى في ظل الدولة المدنية الحديثة...
ولا أعتقد أن هذه السطور تحمل أي إساءة للوطن أو أي شخص أوكيان أو مجموعة بعينها ولا تتعارض مع حقوق أبداء الرأي وإعلان وجهة النظر التي نعلنها باعتبار أنه لايمكننا الوصول إلى رؤية متكاملة لأي شيء كان فقط من منظور أحادي ومن جهة وزاوية واحدة .. ولذلك يعتبر الحوار والندوات والملتقيات الفكرية في مختلف المجالات هي البيئة الصحية الأنسب لبناء الرؤية المستقبلية المتكاملة في ظل ما تتيحه من أجواء لتبادل الرؤى والأفكار والخبرات المختلفة حول أي شيء كان ..
بلادنا أغنى بلد بمواردها المتنوعه ونحن أفقر شعب
ولابد أن نعترف أننا مانزال شعباً غير متطور في ظل مانعا نية من فقر ممتد راسياً وأفقياً بمعناه الاقتصادي والاجتماعي .., وذلك بسبب السياسات التنموية والمؤسسية للحكومات المتعاقبة منذ قيام الثورة في حشد القدرات البشرية والمقدرات الطبيعية والموارد الاقتصادية وعدم استغلال عبقرية الجغرافية الفريدة التي تتميز بها بلادنا لخدمة التنمية الوطنية في مختلف المجالات وتحسين الأوضاع المعيشية لعامة الناس ..
رغم نجاح الثورة الشعبية الشبابية السلمية في تحقيق أهدافها بتغيير القيادة السياسية
علق الجميع آمالاً كبيرة بهذا التغيير .. ألا أن المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تعمقت إلى حدٍ كبير وأصبحت الأمور أكثر تعقيداً وسوءاً وخطراً ..
ونحن لانوجة أصابع الاتهام إلى أي حكومة بعينها من الحكومات السابقة أو اللاحقة وإنما نستعرض الوضع القائم والصورة الحقيقية لواقعنا المعيشي وثقافتنا العامة اليوم..
للأسف الشديد
وبصراحة أن مشكلتنا الرئيسية في تعثر الاقتصاد الوطني تتمثل في غياب مفهوم الدولة .. وغياب دولة النظام والقانون جعل القرار السياسي والاقتصادي يتعامل مع القضايا الوطنية المختلفة بأسلوب عشوائي ومرتجل .., لان هذا القرار – للأسف الشديد – فاقد للرؤى الصحيحة المستوعبة لمعطيات الواقع .., وعاجز عن إدراك ضرورات المستقبل الذي تستهدفه كافة الخطط والبرامج والخمسيات التنموية المتعاقبة منذ عقود ..
كما أن هذا القرار السياسي والاقتصادي مازال حتى اليوم محكوماً بمجموعة من قوى المصالح التي استطاعت التغلغل داخل دهاليز ومفاصل ومكونات الدولة وفرضت نفسها على مراكز صنع القرار ..
دور هامشي للقطاع الخاص
ومن الناحية النظرية كانت الدولة قد أعلنت منح القطاع الخاص دور الريادة في قيادة عمليات التنمية في مختلف المجالات استناداً إلى آليات اقتصاد السوق الحرة والتعددية السياسية .., كما جاء برنامج الإصلاح المالي والإداري الذي نفذته الحكومة بتصميم وأشراف صندوق النقد والبنك الدوليين ليمحور هذا الدور ويبلوره بصورة سلسة إجراءات وسياسات تنفيذية – ولكن للأسف الشديد – ماتزال كافة التقارير الدولية بشأن مصر تؤكد أن البيئة الاستثمارية مازالت تفيض بالكوابح القانونية والمؤسسية والسياسية والثقافية والإدارية والأمنية فضلاً عن الكوابح الطبيعية المرتبطة بخصائص البنية الاقتصادية والاجتماعية لمجتمعنا المصرى .. وظلت الأدوار المحورية للقطاع الخاص المصرى في عملية التحول الاقتصادي والاجتماعي والسياسي هامشية على حد بعيد ..
الثمن الذي يتحمله القطاع الخاص
علق شعبنا بما فيهم أفراد القطاع الخاص آمالاً كبيرة في مستقبل الثورة الشبابية السلمية ولكن مع انطلاقة هذه الحركة الاجتماعية الشبابية التي عمت معظم مدن ومحافظات الجمهورية في يناير2011م تأثر القطاع الخاص بشكل كبير ومباشر وغير مباشر الأمر الذي أنعكس على قطاع واسع من السكان ..
حيث أعلنت عشرات الآلاف من المنشآت الصغيرة والأصغر إفلاسها .. كما أن المنشآت الصناعية والتجارية الكبيرة قلصت حجم نشاطها بحوالي النصف تقريباً .. ونتيجة لذلك تم تسريح أعداد كبيرة من العمال الذين انظموا إلى جيش العاطلين عن العمل في السوق المحلية صاحبة الصدارة على مستوى الاسواق العربية من حيث حجم البطالة ..
ونحن جميعاً مانزال نتابع مؤخراً المسلسل الإجرامي البشع الذي يستهدف رجال الأعمال وخاصة الشباب منهم بالاغتيالات المدبرة وجرائم الاختطافات والابتزاز والسرقة وغيرها من الجرائم المنظمة والتقطعات في الطرقات بين محافظات الجمهورية وحجز السيارات المحملة بالبضائع وتفجير أنابيب الغاز وقطع الكهرباء المستمرة ولاشك أن مثل هذه الأوضاع الشائكة على الساحة الوطنية لها بالغ الأثر في تشويه الصورة الايجابية للبيئة الاستثمارية في السوق المحلية .., بالإضافة إلى العوامل الأساسية والسبب الرئيسي لتعثر الاقتصاد الوطني والمتمثل في انعدام البنية الاقتصادية الحقيقية والافتقار للنظام الإداري والاقتصادي الكفوء والقادر على الاستثمار الأمثل لمواردنا البشرية والطبيعية والاقتصادية والتنموية الوطنية في مختلف المجالات وتحسين الأوضاع المعيشية لعامة الناس ..
وبصراحة أكثر فإن معطيات الواقع الذي نعيشه حالياً خاصة الأمنية تعكس ملامح مفزعة عن السوق المحلية وهذا مايجعل الكثير من رؤوس الأموال الوطنية العاملة في السوق المحلية تدرس بجدية خيار الهجرة كخيار وحيد فرضته هذه المرحلة عديمة الاستقرار على هذا الواقع المنفلت ..
وهنا نؤكد مجدداً أنه لايمكن لاقتصاد متهالك ومعتل تحقيق النهوض والتقدم في ظل فساد يلتهم كل شي ويستنزف كافة الإمكانيات والموارد المتاحة ويعمل جاهداً على تهميش القدرات والكفاءات وتعطيل الطاقات والخبرات .., وتجاهل أهمية المشاركة الاجتماعية الوطنية الفاعلة بين شركاء التنمية الثلاثة ( الحكومة – القطاع الخاص – المجتمع المدني ) لبناء رؤية مستقبلية متكاملة للتنمية والنهوض في مختلف المجالات .
مكبرات الصوت في الكواليس
وهنا نؤكد أن هذه النظرة وهذا الانطباع هو المسيطر على أفراد مجتمع الأعمال المحلي أجمالاً .., وإن حاولوا التستر خلف ستار المسرح العام فإن مكبرات الصوت في الكواليس كفيلة بفضح وإخراج هذه الحقيقة التي يستشعرها المواطن العادي خلال هذه المرحلة الانتقالية بالغة الخطورة ..
تساؤلات مُرة
لماذا ننكر العلة الأمنية والإدارية التي تعاني منها بيئة الأعمال وتعيق نمو الاقتصاد الوطني ؟!
لماذا لانعترف بافتقار كافة الجهات المختصة للمعلومات الإحصائية الرقمية الدقيقة لواقع بيئة الأعمال المحلية ؟!
لماذا لانعترف أن النسبة الأكبر من الأموال الاستثمارية المحلية مهاجرة للاستثمار في خارج الوطن وأن البقية الباقية منها تفكر بجدية في الرحيل ؟!
لماذا ندعو الناس للشفافية والإفصاح عن المعلومات وننسى أنفسنا ونستنكر أي صوت يخرج عن هذا الصمت ويلتزم بالشفافية والإفصاح عن المعلومات خاصة بعد صدور قانون بذلك ؟!
من هو الذي يستطيع أن ينكر أن الجزء الأكبر من استثماراته في الخارج ورغبته المتزايدة في تقليص حجم استثماراته داخل الوطن ؟!
لماذا ننكر شيء أصبح معروف وعلى مستوى العالم ؟!
وزارة الصناعة والتجارة تتحدث عن كم المسجلين لديها من أصحاب الأعمال وكذالك الهيئة العامة للاستثمار تتحدث عن عدد التصاريح الاستثمارية التي أصدرتها للاستثمار .. ولكنها لاتمتلك أي معلومات عن حقيقة هذه الأعمال والاستثمارات العاملة فعلياً في السوق المحلية ؟!
بحسب ماجاء في دراسات اقتصادية حديثة :
1- إنخفاض درجة الحرية الاقتصادية .
2- مستوى الدخل الحكومي في الأنشطة الاقتصادية مرتفع مقارنة بالدول المجاورة ..
3- التشدد في السياسات المالية والنقدية ..
4- إنخفاض مستوى الشفافية في القرارات الاقتصادية إلى حدٍ ما..
5- القطاع الخاص بحاجة لاكتساب خبرات أوسع في التجارة واستيعاب الاستثمارات الأجنبية ..
6- ارتفاع مستوى التضخم حسب الإحصائيات الرسمية التي يعتقد أنها تعكس مستويات أقل من المستويات الحقيقية وهو مايشكل تهديداً كامناً للاستثمارات المحلية والأجنبية من حيث أن هذا التضخم يدفع بإتجاة عدم استقرار السياسات المالية والنقدية التي تكبح جماح الاستثمار ..
7- الإجراءات الروتينية المعقدة في منح التراخيص الاستثمارية ..
8- حسب تقرير البنك الدولي تحتل مصر مرتبة متدنية ( 129) من أصل (158) دولة في مجال سهولة أداء الأعمال مقارنة مع المرتبة (29) للإمارات العربية المتحدة و(22) للسعودية الشقيقتين ..
9- انخفاض مستوى خدمات البني التحتية..
10- تشكل ظاهرة التدهور الأمني وفرض الإتاوات غير القانونية أكبر وأهم العوائق لتطوير الاستثمارات المحلية والأجنبية..
سلبيات بيئة الأعمال الصناعية
- معظم الدراسات الاقتصادية أرجعت السلبيات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني وضعف القدرة التنافسية للقطاع الصناعي المحلي لضعف دور مؤسسات الدولة المختصة بهذا الشأن وانحسار برامجها التنفيذية في الجانب النظري .., بالإضافة إلى افتقار السوق المحلية لمراكز التخطيط التأشيري ومراكز العون الاستثماري وضعف أجهزة الدولة المختصة في تطوير البدائل الاقتصادية المناسبة وتقصيرها في تحديد مدى ارتباط القطاع الخاص بواقع النشاط الصناعي والاستثماري وماهي متطلباته..
- لابد من أن مهمة تحديد وتشخيص الفرص والمقومات والمعوقات الاستثمارية وبيئة الأعمال والثروات الطبيعية تعتبر مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة وتعتبر ضرورة ملحة لعكس الصورة الايجابية للاستثمار في بلادنا في أذهان المستثمرين الأجانب .
إعادة النظر في وظائف الدولة
ونشدد هنا على أهمية الإسراع في استكمال خطوات الإصلاح الاقتصادي وإعادة النظر في وظائف الدولة في حدود دور المشرع الراعي والمحفز والمنظم للحراك الاقتصادي بالتزامن مع تحديث قوانيين المنظومة التشريعية الاقتصادية وتسهيل الإجراءات وتحسين مستوى أداء موظفي الإدارة العامة للدولة في التعاطي مع المستثمرين والاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية .., بما يضمن تنمية القطاع الخاص في بيئة تشريعية وإدارية تتيح له لعب دوراً أكبر في النشاط الاقتصادي والمشاركة في خدمة التنمية الوطنية في ظل مناخ سياسي كفيل بحفظ الحقوق وصون الحريات من خلال تفعيل المسألة والمحاسبة وتحقيق الشفافية واعتماد الهياكل الفاعلة للهيئات الناظمة للنشاط الاقتصادي والأعمال الاستثمارية.
نسأل من المولى عز وجل أن يوفقنا جميعاً إلى مافية مصلحة البلاد والعباد وخدمة حاضر ومستقبل الوطن الحبيب بأذن الله ...
مقالات اخرى للكاتب