بعد خروج اكثر من ثلاثين مواطن مصري للشوارع والساحات العامة رافضين حكم مرسي والاخوان ،هل كان عزل الرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي في مصر انقلابا؟ الإجابة عن هذا السؤال واضحة ولكنها ليست كذلك إذا لم تتم إضافة وصف واضح لها إنها انقلاب شعبي شرعي، والتركيز على الإجابة عن هذا السؤال الآن هو غير ذي أهمية مقارنة بما سيأتي. وبطبيعة الحال فإنّ هناك ما يمكن أن يجادل به المرء في هذا الخصوص فالانقلاب عادة يُفهم على أنّه إجراء يستبدل سلطة مدنية بسلطة عسكرية. فإذا كان ما حدث في مصر يعد انقلابا فإن ذلك يعني ضرورة أنّه كان هناك نظام مدني له السلطة المطلقة على جميع مؤسسات الدولة وأن هناك جيشا يعمل تحت الإمرة التامة لسلطة مدنية.فالمشهد السياسي المصري منذ 1952 كان مختلطا بسلطة المؤسسة العسكرية. وعندما نزلت الحشود إلى الشوارع بداية 2011 فضّل الجيش أن يضحي بأحد أعضائه، الذي كان يشغل منصب الرئيس ساعتها، محمد حسني مبارك. وتماما مثل بقية زعماء مصر منذ إطاحة النظام الملكي عام 1952، ينحدر مبارك من الجيش ولكن استمرار حضوره كان ينظر إليه في نهاية الأمر على أنه تهديد لاستقرار الدولة نظرا للضغط الشعبي. في تلك العملية لم يتم قلب الجيش بل على العكس فقد حصل على قوة إضافية لأنه استفاد من دور مباشر في تسيير أمور الدولة. وعلى الجميع أن يتذكر أنّ تاريخ مصر الحديث يحفل بترحاب من قبل الرأي العام وآخرها خلال الفترة الانتقالية الأولى بين عامي 2011 و2012. وحتى في خضم تزايد شعور الامتعاض من الجيش، خلص المحللون إلى أن الثقة في العسكر في مصر ظلت عند مستوياتها العالية في حدود 85 بالمائة بل إنها تجاوزت في بعض الفترات نسبة 90 بالمائة.
وربما هبطت النسبة حاليا بفعل تراجع التأييد لدى أنصار مرسي، ولكن يعتقد أن النسبة لا تقل حاليا عن 80 بالمائة. فالجيش المصري هو مؤسسة تضم العائلات والأسر التي يقل أن لا تجد عضوا منها ينتمي للجيش سواء لصف الضباط أو المجندين، كما أن أجيال مصر تربت في المدارس على احترام الجيش وتبجيله. وخلال العام الماضي، ارتكب مرسي وجماعة الإخوان المسلمين عدة أخطاء واتخذوا إجراءات لا تتفق مع الأهداف التي نادت بها الثورة المصرية، وبدلا من إصلاح الدولة العميقة ذلك المصطلح المستخدم من قبل جماعة الإخوان استخدموها لمصلحتهم . والخطأ الجسيم الذي ارتكبوه هو الاعتقاد بأنه في غضون ستة اسابيع سيكون الجيش تحت سيطرة مرسي.
لكن مرسي لم يستطع إزاحة المشير حسين طنطاوي، بل إنّ الجيش هو الذي أعاد هيكلة نفسه بتعيين الفريق أول عبد الفتاح السيسي، في عملية تترجم بوضوح أنه مؤسسة لوحدها ولم يكن يوما ما تحت سيطرة مرسي.وأعاد العامان ونصف العام الماضية بعضا من حقائق الجيش في مصر إلى الأضواء، ولم يكن بمقدور سوى قلة قليلة أن تعرف ذلك. فرغم بعض الملفات المتعلقة ببعض أحداث التعذيب خلال حكم طنطاوي وأخرى بقوة العسكر الاقتصادية، إلا أن الجيش ظلّ مدعوما من قبل غالبية المواطنين المصريين. وليس مرجحا أنّ الجيش كان يرغب في مثل هذا الموقف أو أن له مصلحة في التدخل في شؤون الحكم، فالمرجح أنه ينظر إلى الأمر على أنه قدر سيق إليه وأن العسكري كان يفضل أن يبقى بعيدا عن أمور الحكم المدني.وشدد الدستور الذي تم تمريره أثناء حكم مرسي العام الماضي، على حماية الجيش وليس في حكم المرجح أن تستطيع قوة سياسية الحصول على توافق سياسي يغير من شأن ذلك، فعلى العكس من ذلك فإنّه من المحتمل أن يعارض الرأي العام أي تغيير على هذا الصعيد في الوقت الحالي. لقد استمر الفساد ولم يفعل مرسي شيئا إزاءه كما أن التعذيب استمر في مراكز الأمن، فيما بقيت وزارة الداخلية بعيدة عن أي إصلاح. لقد فشل مرسي في تحقيق أهداف ثورة 25 يناير وخسر بالتالي شرعيته الشعبية وتبدو الفرصة ماثلة للسلطة الجديدة للاستفادة من تلك الأخطاء ومن دون شك سيبقى السؤال: هل سيقدم الجيش المساعدة في تلبية مثل هذه المطالب وإنتاج ديمقراطية تعددية حقيقية؟ الزمن سيجيب.