نشأت الديموقراطية في اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد.وهي كلمة مركبة تتكون من كلمتين ,وهما ديموس أي عامة الناس, وكاريّا وتعني حكم, فكلمة الديموقراطية تعني حكم الشعب. وتتمحور حول حكم الأكثرية.وقد ينتج عند تطبيقها أحياناً غبن لحقوق الأقليات والأفراد.لذا وُلدت من رحمها الديمقراطية الليبرالية ,وهي الشائعة اليوم. فهي تلتزم بتوفير وحماية حقوق الأقليات والفرد عن طريق تثبيت هذا في القوانين والدساتير.ونمت خلافات في بعضٍ من مفاهيمها التي لم تلْقَ إجماعاً بين دعاة الديموقراطية, فتعددت الفلسفات بشأن هذه الديموقراطية وتطبيقاتها.
تعتمد مبادئ الديموقراطية الليبرالية على مفاهيم : - حكم الأغلبية, فصل السلطات, التمثيل والأنتخاب, سيادة القانون,المعارضةالفعالة الصادقة, اللامركزية,التبادل السلمي للسلطة.ولتحقيق هذ لا بد من توازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.وتوازن بين المناطق والقبائل والأعراق, و بين الجهات الدينية والدنيوية ومن هنا نشأت فكرة العلمانية.
فالديموقراطية المثالية اليوم هي الديموقراطية الليبرالية ذات المفاهيم العلمانية.وهذا النوع من الديموقراطية هو الصالح للبلدان ذات التعددية العرقية والأثنية الدينية والمذهبية.والبلدان ذات الطابع القبلي والعشائري التي لم تنتقل بالواقع والحقيقة الى المجتمع المدني, الذي تكون فيه أهميةً للفرد وموقعاً على أساس العلم والمعرفة والفكر المتحضر.ومن البلدان والمجتمعات التي تحتاج هذا النموذج من الديموقراطية هيَّ بلداننا العربية ومجتمعنا العربي .الذي لا يزال غاطساً في وحل القبلية والعشائرية التي تسود أعرافها لا القانون الذي أخذ بالتلاشي والضمور.إن مجتمعنا بات يفخر بلقب الشيخ ويفضله على لقب عالم أو أكاديمي أو مُبدع أو مخترع ولم يعد في مجتمعنا إعتبار لما قاله الأولون:
إن الفتى من قال ها أنا ذا ليس الفتى من قال كان أبي
ومع الأسف الشديد إن السلطات والسياسيين في بلداننا يشجعون هذا النهج ويدفعون له, خلافاً لكل معاني الديموقراطية والمتطلبات الأنسانية.فلم يجد العلماء والمفكرون مكانتهم اللائقة الذي يستحقون في المجتمع.فلا تقدير لمكانتهم العلمية ولا لما يجودون به من علم وأدب وفن, فالتقدير كل التقدير لمن إتصف بالمشيَخة وإن كان أغلبيتهم شيوخ بالأسم فقط لا بالمعنى والواقع. شيخة إشتراها البعض بأموال حصلوا عليها مستغلين ظروفاً شاذة مرت بها بلداننا وشعوبنا.
ولا بدَّ لنا أن نقرَّ بأنَّ شعوبنا لا تبخس حقَّ البعض من الشيوخ الأفاضل في بلداننا ,حيث يجلهم المجتمع لسلوكهم وخلقهم ومكارمهم و لما قاموا به من ثورات ضد المحتلين والطغاة. شيوخٌ ضحوا بأنفسهم. وزُجَّ بالكثير منهم في السجون والمعتقلات ونُفوا وعُذبوا من أجل هذه الأوطان وكرامة الشعوب.
من المعيب أن يتصرف الحكام والسياسيون فيُرَيّفوا مجتمعاتنا بإسم الديموقراطية, معتبرين بعضاً من الشيوخ ممثلين للشعب وسادته, دون وجه حق.والهدف هو مطامع شخصية للحصول على الدعم من أشخاص إدّعوا المَشيَخة, وإستغلال ثورواتهم ومآدبهم لكسب الأنصار من ضعاف النفوس ومن المحتاجين والمعوزين. فالمهم عند هؤلاء الساسة إرضاء من إرتبطوا بهم من قوى إقليمية أو دولية وتمرير مخططاتهم وتنفيذ أجنداتهم خلافاً لمصالح الشعوب. وهنا يتحقق لمن لا يريد لشعوب المنطقة الأرتقاء و المُراد والهدف. بل يعيدوها الى المجتمع القبلي ويبعدوها عن المجتمع المدني الحديث الذي أساسه الحرية والعلم,قبل المال وكل شيء . وأغلب الساسة في بلداننا العربية اليوم مرتبطون بجهات إقليمية أو أجنبية تدفعهم لأبقاء الواقع العربي على حاله من تخلف وتشرذم. وتأبى عليه أن يتقدم ويتمتع بثرواته. فتزرع الفتن الطائفية لتمرير المشاريع الشيطانية لنهب ثرواته. ومن ينفذ ويمرر لهذا ساسة يدّعون الديموقراطية, وبالحقيقة ما هم إلا دمى تحركهم أيادٍ خارجية.ويصحُّ تسميتهم بالدمى قراطية.
وبالرغم مما قدمته شعوبنا من تضحيات وخاصة بعد ثورات الربيع العربي. فلم يتحقق لها شيء من مفاهيم الديموقراطية الليبرالية العلمانية على أرض الواقع . فلم يتحقق حكم للغالبية. ولم تصان حرية الفرد وحقوقه. ولم يكن هناك فصل للسلطات, ولا توازن عرقي ومناطقي ,ولا تبادل سلمي للسلطة.فلم يَسُد القانون ولم تجرِ إنتخابات نزيهه, فقوانين الأنتخابات فُصلت على قياس المتنفذين المدعومين من وراء الحدود. فغالب السياسين اليوم لا يمثلون شعوبهم ولا يسعون لمصالحها ,بل هم دُمى يحركها الآخرون الممسكون بخيوط هذه اللعبة من خارج الحدود . .ويوهمون الشعوب بأن هذه هيَّ الديموقراطية. فقد إنحرفت الديموقراطية عن مفاهيمها التي ترنو لها الشعوب وتحول الساسة الى دمى قراطية.
ومن المؤسف أن نرى شعوبنا يقاتل بعضها بعضاً في أقطار عدة من بلداننا نيابة عن الآخرين. يدمرون الأوطان, ويهدمون البنى التحتية, ويهينون كرامة الأنسان, ويستبيحون دمه تحت شعارات الديموقراطية, غير مدركين لتحولهم الى دمى قراطية تُحَّرك بخيوطٍ إقليمية أو دولية, والضحية الوطن والشعب. فلغوا مفاهيم الحوار وسعوا بكل قوة وشراسة للأقتتال والعنف الشديد الذي دمر بلادهم وأعادها الى الوراء قرون وهددوا أمنها وإستقلالها الوطني. كان المفترض بهم الأحتكام لصوت الحكمة والعقل واللجوء لصناديق الأقتراع للتداول السلمي للسلطة بإشرافٍ دولي محايد بدل الأحتراب فلغة الحوار خير وأسلم من لغة السلاح, وعدم الأنجرار للمخططات المشبوهة التي غرقوا بها فأذاقوا شعوبهم الويل,بعد أن أحالوا عقولقهم على التقاعد. فالأجدى أن توجه بنادقهم للعدو المحتل . .فمتى تكون الصحوة وتستعيد الأمة حريتها بتبني ديموقراطية ليبرالية علمانية ؟ ومتى تقطع الأحزاب السياسية والساسةُ الحبالَ والخيوطَ التي يملك زمامها الأجنبي ويتحولوا من دمى قراطيين يتلاعب بها شذاذ الآفاق الى ديموقراطيين يعملون لمصلحة شعوبهم وأوطانهم؟؟
إن الديموقراطية سلوك وممارسة صادقة و ليست أقوال وإدِّعاء. وإن ما تحتاجه شعوبنا ديموقراطية إنتقالية عقلانية لا ديموقراطية إنفلاتية(لو ألعب لو أخرب الملعب) وضعت البلدان في مهب ريح, وأعاصير الفرقة والطائفية والعرقية .نحن نحتاج لديموقراطية تُبعد المفسدين والمخربين والمستحوذين على المال العام .وتفسح المجال والمشاركة الحقيقية لأطياف شعوبنا لا الإقصاء والتهميش وسرقة إرادة الشعوب وتزييفها لمصالح طبقة معينة أوللحواريين والمنتمين.فهل هذا ممكن؟