فشل الاسلام السياسي فشلا ذريعا في ارض الكنانة ، واليوم تباشر الجماهير المصرية استئصال كل الاثار الثقافية والنفسية التي ولدها حكم الاسلام السياسي في مصر ، ولو تسائلنا عن السبب الحاسم الذي جعل المجتمع المصري يرفض الاسلام السياسي وثقافته سنجد ودون شك ان هنالك اسبابا كثيرة الا ان اهمها هي التباين والتناقض الصارخ بين هوية المجتمع المصري وثقافته و بين ثقافة الاسلام السياسي ، فالثقافة المصرية العامة ثقافة متسامحة مستمدة من التنوع الثقافي للمجتمع المصري المشكل للهوية المصرية ، فالمسلمين والاقباط وغيرها من الفئات الدينية لم تكن تتحاكم في رؤاها الثقافية والفكرية الا الى الهوية المصرية ، واصبحت مصر وهويتها الصخرة التي تتهاوى دونها اي اطروحة تحاول تهشيمها ، وهنالك صور وصور تنبئك عن مدى ارتباط المواطن المصري بمصري لا تملك نفسك حين تشهدها الا البكاء متأثرا منها...
العراق ومصيبته العظمى هي هوانه كبلد ودولة وثقافة في نفوس ابنائه ، فلم نجد يوما ثقافة عامة تهيمن على الثقافات الفرعية تدعو الى حب العراق وولائه ، ربما نجد الحب والولاء في نفوس كبار السن والرعيل الذي يكاد ان يندثر ، رأينا دموعا تسكب على العراق من نوري الراوي وكاظم ندا وغيرهم من ابناء جيلهم اما الاجيال التي اتت بعدهم فلم تكن تملك هذا الولاء والحب ، ولعل اقذر ما نجح فيه نظام صدام البائد هو القضاء على الحب والولاء للعراق وحاول جاهدا ان يذهب هذا الحب والولاء الى الطاغية المقبور ، وفي هذا الفراغ استطاع الاسلام السياسي ان يتنهنه ويتحرك بفعالية بين اوساط الجماهير العراقية ، والغريب ان الاسلام السياسي لديه فرصة اكبر في النجاح في مصر قياسا عما هو عليه في العراق بسبب تعدد الهويات الطائفية الاسلامية في العراق ووحدتها في مصر ، ولكن على الرغم من ذلك نجد فشلا ذريعا ومزريا للاسلام السياسي في مصر ووجود فاعل في العراق ، والسبب هو الحب والولاء للوطن قبل الايدلوجيات وغيرها من التصورات الفكرية الدينية والحزبية...
ان ادراك الطبقة السياسية العراقية لهذه الحقائق سوف تجعلها تقف باستماتة دون اي محاولة لتفعيل وزراعة الحب والولاء للعراق ، لان هذا الولاء والحب سوف يسقط عروشهم ويلحقهم باخوان مصر ، بل اذا ما قيض الله سبحانه الى نمو الحب والولاء للوطن في العراق بين ابناء شعبه سوف نشهد اكبر عملية براءة من العمامة السياسية ممن الذين يرتدونها اليوم ويلتحفون بعبائتها...
ولكن على الرغم من فداحة الثمن الذي يخسره ابناء العراق اليوم لازلنا متشبثين بالامل وباسرار رحمة الله التي لا تعرف سبلها لنشهد يوم الحب والولاء للوطن وحينها سوف لاتنبذ العمامة السياسية فحسب بل حتى العمامة الساكتة والمتفرجة على دماء ودمار العراق سوف ينتهج الشعب معها منهجا اخر غير ما ألفناه تاريخا وحاضرا... والى حين عودة الحب والولاء للوطن سوف يعود العراق الى شعبه.
اقرأ ايضاً