بعد عشر سنوات يتسائل المواطن العراقي عن جدوى الانتخابات التي يمارسها بعد ان افرزت هذه الانتخابات وجوها لم تحقق طموحات المواطن في العيش بكرامة وامان وطمأنينة ، واخذ يتساءل هل ان هذه الانتخابات هي من سمات الديمقراطية في كل العالم وهل يمكن ان يتبوأ شخص لم يحصل على اي صوت كرسيا نيابيا مثلما يحصل في العراق ، والحقيقة اننا اذا اردنا حقا ان نزاول الاسس الديمقراطية الصحيحة التي تعود علينا وعلى بلدنا بالخيرلابد من تطبيق نظام الدوائر الانتخابيّة الشائع في اكثر البلدان التي تحترم نفسها و تحترم عقول مواطنيها. فعلى سبيل المثال بدلا ان تكون بغداد دائرة انتخابيّة واحدة تتقسم الى عشر دوائر او عشرين دائرة او اكثر او اقل حسب التعداد السكاني التقريبي,. و هكذا الحال في جميع المحافظات الاخرى اذ ليس من المعقول ان تكون المحافظة على سعتها دائرة انتخابيّة واحدة و فيها اقضية متباعدة و نواحي عديدة. و حينئذ تتحول الانتخابات الى سباق حقيقي بدلا من الضحك على الذقون و حينئذ فقط يصبح بامكان الدائرة الانتخابيّة الواحدة ان تتعرف على المترشحين فيها و تختار الاصلح منهم لان اهل مكة ادرى بشعابها كما يقول المثل الشائع . ان الانتخابات حالة جديدة على المواطن العراقي الذي عاش عقودا مع حكومات هي الامرة الناهية في مقدراته لذلك لم يكد المواطن العراقي يفيق من كابوس الدكتاتورية البشعة التي امتدت عقودا تنخر في جسده و تمتهن كرامته و تصادر حريته حتى وجد نفسه يغوص في مستنقعات موحلة من الفساد لاحدود لها و لا ضوابط استشرت في مؤسسات الدولة كما الخلايا السرطانية في جسم المريض. و الحقيقة المرّة انّ الفترة التي فصلت بين استفاقته من ذلك الكابوس و وقوعه في وحل الفساد لم تكن كافية لالتقاط انفاسه و استعادة وعيه الانساني كاملا و بلورة شخصيّته السياسيّة الراشدة بما يؤهله لاتخاذ قراراته بصورة مستقلة دون الخضوع للمؤثرات الاعلامية التي يحاول ان يخدعه بها الآخرون و حين خفقت رايات الدعايات الانتخابيّة للدورة البرلمانيّة الاولى, وجد الناخب العراقي نفسه محكوما بالاستقطاب الطائفي فأسلس قياده لاصحاب القوائم المغلقة دون قيد او شرط. و افاق هذه المرّة من حمّى الانتخابات على مشهد افتتاح مجلس النوّاب على وجوه لا يعرفها, بل لا يستطيع التعرف حتى على قائمته المغلقة بينها و هي على حدّ علمي مهزلة ديمقراطيّة من الطراز الاول. و الانكى من ذلك انّ نوّاب الشعب هؤلاء حوّلوا البرلمان الى حلبة صراع يحاول كل فريق منهم ان يهزم خصمه بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة و مع الدورة الثانية ادرك السياسيّون انهم لن يستطيعوا ان يوقعوا الناخب هذه المرّة في الفخاخ المغلقة فعمدوا الى حيلة اخرى وهي نظام القوائم المفتوحة. و حاول بعض الناخبين ان يحافظ على يقظته هذه المرّة لئلا تنطلي عليه الحيل فصوّت لمن رآه كفؤا, و لكن هذه اليقظة لم تجد نفعا مع الحيلة الجديدة التي لم يفلت منها احد ، اذ كيف يستطيع المترشح مهما كان مخلصا و شريفا و كفوءا ان يفوز اذا ترشح بصورة مستقلة او تحت لواء قائمة غير كبيرة ما دام مبدأ افيضوا علينا مما رزقكم الله فعّالا في نظام القوائم. فمع هذا المبدأ تستطيع احدى المترشحات ان تفوز في بغداد ذات الكثافة السكانية الهائلة بمجموع 650 صوتا لانها تنتمي الى قائمة رئيسية بينما يخسر مترشح في ميسان مع حصوله على سبعة آلاف صوت لان احدا لم يفض عليه مما رزقه الله و هي على ما اظن مهزلة سياسية لا تقلّ عن سابقتها. و لكي نوقف سلسلة المهازل هذه و نبدأ الخطوات الجديّة الاولى في تجفيف مستنقع الفساد الموحل لابد ان يتغيّر النظام الانتخابي بما يضمن حقوق الناخب وعدم التفريط بصوته وانهاء كل اللعب التي تتعدى صوت الناخب العراقي وان تجعل هذا الصوت هو المعيار لفوز المرشح ليس الا ..