صديقي سيد حامد ، يحملُ مزايا كثيرةٌ ؛ لعلَّ مِنْ أهمها إنَّهُ يشبه ذلكَ الهيكلَ العظمي ؛ الموجود في مختبرِ درس الأحياء في مدرستنا ، عندما كنا في الثاني متوسط , لكني الى الان أجهل لماذا كان مدرسُ الأحياء يستخدم سيد حامد كبديلٍ عن ذلك الهيكل العظمي الموجود في داخل المختبر . ذات مرة طلبَ منه ان ينزعَ قميصه ليشرحَ لنا الهيكل العظمي على جسده العاري ، وراح يؤشر بمسطرته على عظمِ الترقوة والحجاب الحاجز وعظم القص والقفص الصدري ؛ والى الان اتذكر القفص الصدري كلما رأيتُ صديقي سيد حامد . ذات يوم وحين وصلنا الى الجهاز التناسلي غاب سيد حامد ؛ بحجة ان مدرس الأحياء سوف يستعين به لشرحِ ذلك الجهاز المعقد في جسم الانسان .
كَبُرَ حامد وكبرت طيبتهُ معه ، فلم يعد ذلك الهيكل العظمي المركون في زوايا مختبر الاحياء ؛ بل صار جسما متحركا من روح ودم ، ينبض في داخله حب الوطن والخير للجميع ، ففي عام 2003 وفي غمرة صفحة الحواسم ، سرقَ اللصوص أثار العراق ؛ فعلم صديقي السيد حامد بأن أشخاص قد سرقوا رُقم طينية وقطع أثرية ؛ فذهب وتفاوض معهم على شراء تلك اﻷثار ؛ وكان في وقتها قد أدخر مالا لشراء بيت صغير يقي نفسه وعائلته من حر الصيف وبرد الشتاء القارص ، فقرر أن يتنازل عن حلمه ويعيد تلك القطع اﻷثرية قبل أن يتم تهريبها خارج الوطن ، وفعلا أشترى تلك القطع بمبلغ عشرة مليون دينار و أعادها الى دائرة اﻷثار ؛ حتى أنه لم ينتظر كلمة شكرا واحدة على ما فعل فواجبه ، يفرض عليه ذلك . وكل ما فعلته دائرة الآثار ، انها اهدته كتاب شكر علقهُ في زاوية من زوايا محلهِ ؛ ويعتبره أعظم كنز ناله في حب الوطن .
بالأمس كنتُ مع صديقي سيد حامد في محلِ عملهِ ، واستذكرنا أيام الدراسة والفرق المسرحية التي كنا نعمل بها ، والتي اصبحت أثر بعد عين ، ولا أعرف كيف اقترحَ علي ان نمثلَ معاً مشهداً مسرحيا بدون ترتيب مسبق بعنوان « الاقطاع والفلاح « ؛ وفعلاً بدأنا نمثلُ مشهدا ارتجالياً في وسط الشارع ، وقد كان الوقتُ ليلا – الشارع فارغ – وقام هو بتمثيل دور فلاح يحرث الأرض فدخلتُ عليه وبدون اي مقدمات قلت ُ له :- حامد اين الوارد ؟ قال لي :- اي وارد ؟ ! الا ترى الارض بور وها أنا ازرع بلا فائدة ، حتى الأرض ترفض ان تنتج زرعاً ، وها أنت ترى حالي من سيئ الى اسوأ ، وأنتَ تقف بسيفك المتسلط تجبرني على اخذ اتاوة مني . بدل ان تحاسبني ؛ حاسب الارض التي ترفض ان تنتج زرعا . ساعدني كي تعود الارض تطرح ثمراً ، سل الارض لماذا عجزت عن ان تطرح بركاتها ؟ وها أنت تدور حولي تطالبني بريع الارض ؛ وأنت ترى حالي لا يسرُّ عدو ولا صديق ؟.
فأخذت بتلابيبه ِ وخنقته وصرخت بوجهه بصوت عالي :- اليوم أحرقك ، انا لا افهم لماذا استغنت الارض عن طرح بركاتها ، فالذنب ذنبك لأنك لم تحسن العمل ، لا يهمني منك سوى الوارد الذي جئت من اجله ، سأبيعك ايها الهيكل العظمي بسوق الفزاعة لكي ترعب الطيور « وانسجمتُ مع المشهد فأخذتُ برقبته وصرخت ُ به « : أريد فلوسي ايها الفلاح التعيس . وفي هذه الأثناء مرَّ رجلٌ مستطرقا ، فرآني وأنا في حاله متهسترة وقد اخذت بتلابيب سيد حامد ، فاراد ان يكون حاجزاً بيننا ، لكني كنت قد تقمّصت الدور تماماً ، وسيد حامد « خربان ضحك « فقال الرجل عمي شكو شنو السالفة ؟ فقلتً له :- وانا لازالت في حالة متهسترة – عمي اني اقطاعي وهذا فلاح عندي , قد أكل حقي ؛ كلما جئته على الوارد يقول لي الارض بور ويتحجج بهذه الحجج الواهية فهل تقبلها ؟! فما كان من الرجل ؛ إلاّ هزَّ بيديه قائلا ً : عمي يا وارد ؟ ! يا اقطاع ؟! أنتوا شجاي اتسولفون ،بس مو ذنبكم ذنبي اني صرت حاجوز بنص اثنين مجانين . ذهب الرجل الى حال سبيله ، وبقينا انا وصديقي حامد نضحك لمشهد ذلك الرجل ، الذي حاول ان يكون حاجزاً بيننا . لكن صديقي حامد بقي يضحك لأمر أخر ؛ فهو يقول والله حين أمسكت برقبتي ، تمنيت ان أبيع محلي وأعطيك وارد الارض حتى أتخلص من سطوتك أيها الاقطاعي .
مقالات اخرى للكاتب