لم تكن الدورة الحالية للمربد فرصة للاطلاع على مااستجد من الشعر والابداع العراقي والعربي فقط انما كانت فرصة لم احظ بها منذ اكثر من ربع قرن للالتقاء بصديقي الشاعر (ناجي ابراهيم ) حيث كان آخر لقاء لنا في العام 1991 ،كنت قد اتصلت بالشاعر باسم فرات لأخبره اني مغادر إلى البصرة لحضور المربد ففاجأني حين قال انه الآن في البصرة وفي فندقها الجميل مع شاعر لم تتوقع من هو.سألته من هو هذا الشاعر فقال ناجي ابراهيم ،وما ان وصلت مقر اقامتي وافرغت حقيبتي الصغيرة التي تشاركتها مع ولدي زيد حتى ذهبت للقاء صديق العمر ،كان لقاء مليئاً بالذكريات حبسنا فيه دموعنا بالرغم عنا خشية ان يراها زيد ، جلسنا نستعيد الذكريات وسط تساؤلات باسم واستغراب زيد فهم والى الآن لايعرفون من نحن وكم كنا قريبين من بعضنا ،عندما كنا نسرد بعض الحوادث التي حدثت لنا وكنا نضحك منها كان باسم يتساءل اين كنتم وماهذه الاحداث الغريبة .
استقر بنا المقام وبدأ العتاب على الأقل من جانبي وتساءلت كثيرا ماذا حلَّ به وعائلته خلال هذه المدة العصيبة التي مرت على العراق وخصوصا هو ابن الفلوجة ومازال يسكن فيها ،كان يسرد عليَّ الأحداث بتلقائيته المعروفة التي عهدتها كان يتفاعل مع الكلام ولاينفعل هادئ الطبع كما هو ،كنت على مدار اللقاء ارقب صديقي ما الذي تغير به وماالذي طرأ عليه ،لم اجد شيئا قد تغير سوى مسحة الحزن وتقادم الزمن فالسنوات التي مرت تركت بصمتها علينا واصبحنا شيوخاً بعدما كنا في ميعة الصبا في بداية الثمانينات.
كان يتحدث عن جسر بزيبز وهو الذي نادرا مايتحدث عما يكدره قال لقد خوفونا ورسموا لنا صورة مهولة عن وحشية الناس الذين سنلتقي بهم اذا ماعبرنا الجسر ،حين وصلت وجدت شيئا لم أره من قبل ،وجدت بركان اًمن الحب قد تفجر داخل النفس العراقية وجدت طيبة مضاعفة الجرعات ،حتى استوعب ماحصل بقيت صامتا واتفرج على هؤلاء الشبان الذين يتسابقون لتكديس الاغذية علينا والماء ،عندما ركبنا السيارة انا والعائلة (والحديث مازال لناجي) أوقفها احدهم وسمعته يحدث السائق بلهجة جنوبية محببة إلى قلبي قائلا:( عليك هذا الحسين ان تتساهل معهم بالاجرة فقط فلوس البانزينات) فرد عليه السائق باروع رد قائلا( وحق هذا الحسين حتى فلوس البانزينات مااخذهن) حينها لم استطع ان احبس دموعي التي فرت من بين جفني رغما عني وغادرت رموشي مسرعة لاتلقفها بمنديل ورقي .
سألته لماذا لم تأت إلى كربلاء وعندك فيها اخوك طارق قال لم تترك لي ابنتي فرصة للتفكير حيث قامت بالاتصال بزميلتها التي سارع والدها بالمجيء لاستقبالنا واصطحابنا إلى داره في بغداد بقيت هناك فترة وحين اردت ان اغادر ،سألني هل تقبل ان تبقى عائلة اخوك وحدها فأنا مسافر للباكستان واريد منك ان تمكث هنا مع عائلتي لتكون رب الاسرتين معا .
لعل هذه الذكريات الاجمل التي تحدثنا بها فهي غسلت قلوبنا تماما من كل عوالق الحقد التي اراد ان يثيرها البعض ،كان ولدي زيد يصغي لمايقوله عمه فهو قد تعلق به بشكل جعله يكتب عن عمه ناجي الكثير وكذلك ناجي كان يصغي لما يقوله زيد ويستمع له باهتمام ،عندما حان وقت الفراق رفض زيد ان يأتي معي ويريد ان يبقى مع عمه الذي رآه لأول مرة في المربد ،غريبة هي هذه الدنيا فنحن حين افترقنا لأول مرة كنا في البصرة وتحديدا في شارع الاستقلال ،وحين التقينا بعد طول الفراق كنا بالقرب من شارع الاستقلال .
مقالات اخرى للكاتب