تتكاثر السهام المتعددة الشوكات ، وأكاد أقول المتعددة الجنسيات ، وبتناسق يومي ضد حكومة السيد نوري المالكي . بعض هذه السهام ، والحق يُقال ، مصدرها حق ، وهدفها حق . فحين تَرتكب السلطه، أخطاء وهفوات وتُّتخذ خطوات وقرارات بعيدة عن الدرس والتمحيص ، فلا بد من ألإمتثال لصوت الناقد ، ولا مناص من أن تصيبها مثل هذه السهام .
ذلك أمر طبيعي ، وواجب في أية سلطه ونظام سياسي ينشد الديموقراطيه في أداء المهام ،التي تكفلّ بها وتصدى لها . وفي ظروف العراق الحاليه ، في ظل عدم تعمق الممارسه الديموقراطيه على مستوى السلطه والاحزاب السياسيه على السواء ، يؤدي النقد دور عتله للتصحيح والتوجيه في آن . فثمة ، إذن ضروره لتوافر عقد إجتماعي ليس فقط بين أطياف المجتمع ، بل وقبل ذلك بين المواطن والسلطه . أداء السلطه ويقابله نقد المواطن . وعليه ، فإن الاشكاليه ليست في مثل هذا النوع من السهام ، حتى وإن تحولت نِبالاً ، فهي تستهدف تقوييم أخطاء السلطه وأداءها ، ولا تحمل في طياتها إلا الرغبه في التصحيح .وما على السلطه ، وأولي الامر إلا أن يتعايش مع سلطة النقد ، مهما كانت قاسيه ومُؤِنبه لانها تُعينه في أداء مهامه الإشكاليه تكمن في نوعٍ أخر من سهام نقد ، تتحول فيزيائياً وفي أنّاة من الوقت إلى نِبال أردت إحالتها إلى تحليل مختبري ، ستجد إنها مُتخمه بزعاف سموم ، ذي جينات غريبه ، بلومتنافره فيما بينها ، ولكنها تتحد وتنصهر فيما بينها بهدف واحد ، أوحد وهو إسقاط التجربه الاولى لحكم المُكّون الشيعي للعراق . أركز الان ، إبتداءً ، على تَعبيري الانف الذكر في " أنّاة من الوقت " . حيث ان الامر ، ولا فسحه من الشك لدي في ذلك ، طُبخَ على نار هادئه طيلة السنوات العشر المنصرمه منذ إسقاط سلطة البعث العفلقي . كان الأمر حينئذً ، يتلخص في تكاتف جل تلك القوى والتيارات ،التي ناضلت من أجل التخلص من الدكتاتوريه لإرساء بناء عراق جديد . وكان التماهي الطائفيبين هذه المكونات جميعها ، وبدون إستثناء ، هو الغالب والمهيمن . وكان هذا هو المؤمول والمرتجى . بالضبط وبالتحديد ، هذا ماكان يريده المواطن العراقي ويطمح إليه .هكذا تمّ إحلال مبدأ حكومة توافق وطني بدل حكومة الاستحقاق الانتخابي ، أي حكومة شراكه وطنيه وليس حكومة الاغلبيه المُنتخبه وفقاً لصندوق الاقتراع ! هكذا ، إذن تم وأد أهم مبدأ في الديموقراطيه وهو اللجوء إلى الصندوق الانتخابي .
جرى ، كما قيل في حينها ، التضحيه من قبل الاغلبيه الُمنتخبه من أجل ماتصورته هو الصواب لتأسيس مستقبل سياسي للعراق يتسّع للجميع . ألحق ، كما أتصور ، أن تُسجل هذه الخطوه ( ألهديه ) مأثره لكل من كتلة دولة القانون والمجلس الاعلى والكتله الصدريه ( الاغلبيه المُنتخبه ) ، في إيثارهم المصلحه الوطنيه . هذا ليس عيباً ، ولكنه في السياسه يُعتبر مثلباً وسذاجه .
ليكن ذلك ، بيد أنه يتطلب درجه عاليه من المسؤوليه من قبل الطرف الاخر ، وهذا لم يحصل ، ولن يحصل في لغة السياسه . إستغرق الامر بضعاً من الوقت ، في حساب التاريخ ، وإذا نحن أزاء بعضٍ ، وللتدقيق أكثر ، جزءٍ من بعض هذه المكونات التي إنتبهت إلى إمكانية اللجوء إلى خطط أقصر ، وإن كانت معوجه لتحقيق ماتريد من غايات ، وهي في مفهوم السياسه تتعدى إكتساب المنافع الماديه إلى المآرب السياسيه . وإذْ تعطلت لغة الديموقراطيه لصالح لغة الإيثار ، كان ذلك مصداقاً لما نبهنا إليه أستاذنا
مكيافيلي من أن ليس " ماهو أشد ضرراً على نفسك من الجود والكرم " ( الأمير ص. 141 )
حقاً ، وهذا هو الواقع ، للدارس الأريب ، من ان شعوب الشرق تدين بولاءاتها وأهوائها إلى سطحية قراءتها للتاريخ والذي حدث ، ويحدث الان من تخبط وفوضى وإنعدام الامن سببه ان بعض المكونات السياسيه التي أُشركت في الحكم ، على المستوى التنفيذي والتشريعي ، ليس على اساس الاستحقا الانتخابي حورّت هذا الامر وجيّرته لصالح أجندتها السياسيه والطائفيه حصراً . وهذا لايقتصر كونه مُدعاة للاسف ، ولكنه شكّل حاضنه فعليه للاضطراب السياسي والامني الذي يعيشه العراق .
ليس ثمة من مخاوف من الدعوه إلى صناديق الانتخاب وإلى إحترام إرادة الناخب ، حتى وإن أدى ذلك إلى إستقطاب سياسي للاغلبيه ، الحزبيه كانت أو ألمكوناتيه . ألخوف والقلق لايتأتى
من جراء ذلك ، مادام الجميع يؤمن باللجوء إلى الانتخابات . إنما ألمحظور يكمن عندما تعمد هذه الاغلبيه المنتخبه بإيثار حزبها أو طائفتها . وهذا موضوع أخر ، يمتّ بصله مباشره بالواجب الدستوري للحكومه المُنتخبه ، وبداهةً فإن " بلداً لاينصف قِلته ، لن ينصف كثرته "( سمير طبله، الشرق الاوسط 22 آب 2007 ) .
كيف يمكن إختراق شرنقة الطائفيه ؟ ذلكم ، كما أظن ، جوهر الموضوع وغايته .ماهي السبل والوسائل لتحقيق ذلك ؟ ذلكم ، كما أتصور ، حلم كل عراقي ، عربياً كان أم كردياً أم تركمانياً ، سنياً كان أو شيعياً ، مسيحياً أو يهودياً أو صابئياً مندائياً .....وهل يمكن حقاً إسكات ( ليس بالعنف ، إنما بالاقناع ) تلك الاصوات التي لاتكُف عن لغوائها "
بالتسنن والتشيع " ( حسب تعبير العلامّه إبراهيم السامرائي ) ، أو تلك التي تسمح لنفسها أن تبتكر معادله رياضيه تتسّق والروح الطائفيه : ( مقابل كل سبعه ينقتلون نريد قبالهم سبعه سنه ) ! . مع تقديري من ان مثل هكذا دعوات قد تصدر أحياناً كرد فعل إنفعالي لحضوي على تلك المذابح اليوميه التي تتعرض لها الاحياء ذات الاكثريه الشيعيه ، أكثر من كونها صادره عن
تفكير طائفي في أطار الواقع وما هو عليه ، فانا مؤمن من ان ثمة إمكانيه للتقدم للامام ، نحو ديموقراطيه أرقى ، عندما تنحو الاحزاب العراقيه الحاليه ، المؤسّسه على اساس الاستقطاب الطائفي ، أن تخرق هذه الشرنقه التي تؤطرها إلى مديات أرحب. وكخطوه أوليه، يمكن أن تعمد هذه الاحزاب إلى " تخليط " مرشحيها للانتخابات ، البرلمانيه كانت أو على مستوى المحافظات ، بحيث تشمل مواطنين من كلا الطائفتين . لِمَ لا ؟ أن نجد في قائمة دولة القانون أو في القائمه الصدريه مرشحين من السنّه ، أو / و أن نقرأ فرحين من أن هذا الرجل الشيعي ضمن قائمة السيد النجيفي . لم لا ؟ أنا لاأبتدع فكره جديده . ذلك كان واقع الحال في عراق الثلاثينيات والاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي .
دعونا نتأمل ألاسماء التاليه : كامل الجادرجي ، جعفر أبو التمن ، محمد حديد ، محمد رضا الشبيبي ، حكمت سليمان ، حسين جميل . كان هذا الخليط من السنه والشيعه عماد النضال الوطني العراقي حينذاك ضد الانتداب البريطاني ، من أجل الاستقلال ، والذي تبلور سياسيا في تشكيل " جماعة الاهالي " ومن ثم " الحزب الوطني الديموقراطى " . فلقد كرّس جعفر أبو ألتمن ، ألتاجر الشيعي ، البغدادي ، مثلاً ، جهده إلى إنشاء وإقامة تحالف سياسي دائم بين الشيعه والسنّه . وُفقّ حيناً ، وأخفق أحياناً . وهذا ماأشار إليه الاستاذ حنا بطاطو ، في تعبيره الآخاذ : النمو العسير ، الواهن حيناً ، والمتقطع حيناً بين هذين المكونين الاساسيين للمجتمع العراقي ( انظر للاستزاده مجلة الثقافه الجديده ، العدد 298 / عام 2009 ، ترجمة فالح عبد الجبار ) . لايمكن للباحث الموضوعي والأريب في آن ، أن يتجاوز في هذا الشان ألوطنى كذلك إسم يوسف سلمان يوسف ( فهد ) ، ذلك ألقائد الشيوعي ألفذ ، والذي جمع وبتألق نظري وعملي تلابيب وإشكاليات المسأله الوطنيه والطبقيه في بودقه وطنيه ، عراقيه واحده ، ليس لأي حسٍ طائفي أثرٌ فيها . لقد تجاوز مستوى الديموقراطيه ، كشكل من أشكال ألحكم وممارسة ألسلطه على ألرعيه ، في الوقت الراهن ألإطار الفئوي ، فالاجتماعي ، فالديني ، والطائفي تحديداً إلى مدّيات أبعد وأرحب ، تقررّه صناديق الانتخاب وفق معيار واحد ، أوحد : البرنامج الانتخابي للمرشح ، أو للقائمه الانتخابيه . أيا تُرى ألا يستاهل العراق ، بلد الابجديه ومسّلة حمورابي ذلك ؟
مقالات اخرى للكاتب