عندما اتصلت بصديقي إبراهيم الساعدي قبل أشهر من وفاة طفلته اينانا، كنت أريد أن اعتذر منه لأنني لم أكن اعلم بموضوع الاختطاف، لذلك لم اقف بجانبه في مثل هذه المحنة. يومها سألته عن ملابسات حادث الاختطاف فروى لي حكاية لا تحدث الا في أفلام القصص البوليسية. حكاية تبدأ من شجاعة أب يرفض الخضوع لإرادة مختطفي طفلته ولا تنتهي عند شجاعة أفراد قوى الأمن الذين احكموا مع الأب خطة للإيقاع بالعصابة.
روى لي يومها كيف أنه تمكن بعد طول تعب من تجميع مبلغ الفدية، وكيف أنه اتصل بأحد أفراد العصابة الذي طلب منه أن يصعد سيارته ويتبع تعليماته التي سيبلغها له عن طريق الهاتف. يقول إبراهيم: "كنت اُبَلِّغ المسؤولين من افراد قوى الامن بالتفاصيل، وكانوا هم أيضاً على اتصال مستمر بي، وبعد أن حدد لي المختطف مكان ترك الفدية بعد أن قادني ومن خلال الهاتف الى أماكن مختلفة بغرض التضليل والتأكد من أنني لوحدي ... بعد ذلك تركت الفدية في مكان مظلم وخال وموحش بعد منتصف ليلة شتائية باردة، وغادرت بسيارتي، وما هي إلا لحظات حتى توقفتْ قريبا من الكيس سيارة ونزل منها راكبها الذي ما أن تناول الكيس حتى ألقى القبض عليه رجال الأمن وسط نيران أسلحة بقية أفراد العصابة الذين حاولوا انقاذ رفيقهم. المهم ألقي القبض على المتهم الذي كان يتهدد ويتوعد ويدعي ارتباطه بإحدى الميليشيات المسلحة المعروفة".
بعد هذا الاتصال التقيت بإبراهيم وجلسنا طويلاً وأعاد سرد الحكاية على مسامعي، ثم توفيت المختطفة وتركت إبراهيم يلملم أشلاء حياته ويغادر بغداد خوفا على ما تبقى لديه. وقبل أيام فوجئت بخبر تبرئة نفس المتهم الذي حاول اخذ مال الفدية، فأعدت الاتصال بإبراهيم لأجده مخذولاً جداً، فهو يؤكد بان المتهم قد اعترف بتورطه مع عصابة الاختطاف اعترافاً ابتدائياً ثم اعترافاً قضائياً، ثم أجري له كشف دلالة.
المحكمة حكمت ببراءة هذا الشخص لأنه غيّر أقواله أمام القاضي، مدعياً بأنه حاول تحريك كيس الفدية لاعتقاده بأنه ملغوم. وأنا بالوقت الذي لا اشكك بنزاهة القضاء، أتساءل إن كان وراء الموضوع ما وراءه، أخاف أن يكون نفوذ وقوة بعض المجرمين تنال من مهنية ونزاهة القضاء، ففي هذه القضية تحديداً توجد الكثير من الملابسات التي تستحق التوقف ملياً، أهونها تواجد المتهم في مكان الحادث ونزوله من السيارة ومحاولته أخذ الفدية في مكان فارغ وليل شتائي مظلم. ثم اعترافه الاعتراف الابتدائي، ثم القضائي، ثم أجري له كشف دلالة موقعي!! فكيف تنسف كل هذه الاعترافات لمجرد تغيير الأقوال أمام القاضي؟ سؤال يجعلني أشعر بان البقاء في العراق أشبه بالمغامرة غير محسوبة النتائج.
مقالات اخرى للكاتب