منذ أن أبصرت النور قبل عقود ، وجدت شجرة آدم شاخصة وشامخة بجذعها المستقيم ، وأغصانها الكثيفة في قضاء القرنة في محافظة البصرة ، ورغم أنه لا يُعرف متى وجدت ومن قام بزراعتها
إلا اني كلما زرتها شاهدت النساء يتجمعن حولها للتبرك وطلب الرزق ، والرجال يجلسون عند عتبتها لقراءة القرآن ، ووجدت الطيور المهاجرة تحط عليها قبل أن تواصل رحلتها باتجاه الأهوار .
إن هناك اعتقادا راسخا عند أهل المنطقة خصوصاً والناس في محافظة البصرة بأن شجرة آدم شجرة مباركة ، لذلك يقصدها الكثير من السكان في الأفراح والأحزان ، ويضعون همومهم وأمنياتهم بالقرب منها ، وهناك من يؤدي الصلاة ويقرأ القرآن إلى جوارها .
أما النساء فيقصدن الشجرة للتبرك وطلب الرزق وحل مشاكلهن الاجتماعية ،
وأن الكثير من السياح الأجانب والمستشرقين زاروا موقع الشجرة وأعجبوا بها وبالحكايات التراثية التي تناولتها ، لكن منذ اندلاع الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وحتى اليوم لم يأت أي سائح أجنبي لرؤية الشجرة .
ويُلفت إلى أن الشجرة لم تتأثر كثيراً بالحروب السابقة ولا بالظروف المناخية والفيضانات ومواسم الجفاف التي شهدتها المنطقة خلال العقود الماضية ، وهذا ما جعلها رمزاً للقوة والصمود من وجهة نظر سكان المنطقة والمناطق المجاورة .
ويتفق السكان المحليون في قضاء القرنة على أن "شجرة آدم" التي تقع عند التقاء نهري دجلة والفرات في مركز قضاء القرنة ، هي أقدم شجرة في المنطقة إلا أنهم لا يعرفون عمرها الحقيقي وسر بقائها ، وهو الأمر الذي مازال يثير جدلاً في أوساط علماء النبات والمؤرخين .
وعموماً فإن المختصين الزراعيين بالمنطقة يقدّرون عمر شجرة آدم بما لايقل عن ألف عام ، وهي شجرة سدر فاقدة للحياة منذ عقود غابرة من الزمن ، والغريب في الأمر أن ما تبقى من أثرها لم يتحلل على الرغم من اختفاء اثر مئات الأشجار المماثلة التي كانت تنتشر في نفس المنطقة .
بينما يرى بعض خبراء الآثار أنه من الصعب تعيين عمر شجرة آدم على وجه الدقة لأن عمرها يتجاوز حدود المألوف بفارق كبير .
أما الأسقفية الكلدانية في جنوب العراق ، فتنفي مايشاع من أحاديث تشير إلى قدسية "شجرة آدم" لدى أبناء الديانة المسيحية ، وتقول الأسقفية وتستبعد أن هناك تكهنات من أن القرنة هي نفس المنطقة التي ورد ذكرها في العهد القديم من الكتاب المقدس بصفتها الأرض ذات الأنهار الأربعة ، لكن هذا لايمنع أن شجرة آدم تتمتع بمكانة تاريخية ومنزلة تراثية كبيرة لدى الناس ، لكنها لا تمت بصلة للديانة المسيحية .
وهناك من رجال الدين المسلمين من يقول إن الشجرة الحالية ليست شجرة آدم التي ورد ذكرها في القرآن ، ومن يروّج لهذا الرأي يتجاهل العديد من ثوابت الدين الإسلامي ، وان هذه الشجرة كانت تعرف حتى عهد قريب بـ"شجرة إبراهيم" كون نبي الله إبراهيم الخليل قد وطأت قدماه القرنة سنة 2000 قبل الميلاد حيث صلّى في مكان الشجرة وتنبأ بوجودها عندما قال :
((ستنبت هنا شجرة كشجرة آدم في جنة عدن)) ، وان هناك رواية دينية أخرى تشير إلى أن نبي الله إبراهيم الخليل هو من قام بزرع هذه الشجرة .
ورغم اختلاف وجهات النظر عن تاريخ وماهية هذه الشجرة التي تستحوذ على اهتمام البصريين ، إلا أن الكثيرين رجالاً ونساءاً لازالوا حريصين على تلاوة القرآن وقراءة الدعاء بالقرب منها .