"مجرد فقاعة"، هذا كان تشخيص السيد المالكي للازمة في الانبار عندما كانت الاعتراضات في طور الاعتصام ايام الجمعة، اعتبر، مثله مثل اغلب القادة في الشرق ان الحل العسكري كفيل بانهاء اي عصيان، والقوة العسكرية التي تحت امرته هي الحل.
وكان ذلك سوء تقدير من قبل ادارته، ومستشاريه، اذ اثبتت الاحداث في ما تلى من الايام بانها لم تكن كما تصور سيادته، ولسنا هنا في معرض اللوم او المناكفة، ولكن للتوضيح، بان ذلك الخطأ في التقدير كلف العراقيين غاليا، بالامس، ويضع البلاد على كف عفريت، اليوم.
بكل غرور، قام بتصعيد المواجهات العسكرية في الانبار، دون تخطيط او دراية بعمق المشاكل وجذورها الحقيقية. بل وحتى بلا قراءة ولو مبسطة للضرف الجيوسياسي التي يعيشه الاقليم في مرحلة مابعد الربيع العربي، وعدم فهم الطريقة التي تطورت بها الصراعات الداخلية في البلدان التي شملها، ومنها على حدود العراق الغربية بالتحديد.
وبسرعة، تبين خطأ تقديرات المالكي من خلال الاحداث التي طرأت على الوضع في الفلوجة. كانت نتيجة المواجهة العسكرية التي اختارها سيادته هي سقوط المدينة في يد ميليشيا داعش، وفشل هو بكل الدعم الامريكي الذي كان يصرح به علانية في استعادتها.
وباعتقادي كانت مبادرة السيد عمار الحكيم، بالدعوة لرفع المستوى المعيشي في المحافظات المنكوبة (الانبار على وجه الدقة)، اكثر نضجا من القراءات الحكومية، وادق في تشخيص اسباب التدهور الامني. اذ تطرقت الى محاولة استيعاب الطاقات الشبابية عن طريق خلق فرص عمل بدلا من خيار الحكومة الوحيد الذي يتلخص بمجابهتهم بالرصاص.
الا ان حكومة السيد المالكي، واعلامها "شبه الرسمي" جابه الدعوة تلك حينها بالسخرية، واصرت القيادات العسكرية، وعلى رأسها القائد العام للقوات المسلحة على الاستمرار بالعمليات العسكرية حتى تحرير الفلوجة، هذه المره.
وكان ذلك خطأ اخر في حسابات السيد المالكي، فلم يستطع "تطهير المدينة" كما كان يوعد العراقيين، بل ترك التنظيمات المسلحة تكتسب من الخبرة والامكانات ما اهلها للزحف على المدن الاخرى، سامراء، الموصل، الشرقاط، تكريت، بيجي، الحويجة... الخ.
ولعل الخطأ الاكبر، الذي وقعت فيه ادارة المالكي، هو سياسة خلق الاعداء، بالاستفادة من المشاعر الطائفية، العدوانية على وجه الخصوص، واستفزاز البسطاء بشعارات دينية لا تعدوا كونها جرعات طائفية من اجل تعزيز الصفوف اثناء الحملات الانتخابية، وحصد اصوات اكثر. وهذا خطأ يرقى الى الجريمة.
ان هذا التدهور الامني الخطير في اكثر مناطق العراق سخونة، في الانبار، نينوى، صلاح الدين وكركوك، كله، مرده هذه الاخطاء في التقدير، وعدم التشخيص الصحيح لاسباب الازمة الحقيقية، من تناسي دور الخدمات واهمال الحالة المعيشية، وتناسي دور الثقافة في حياة المجتمعات، بل التركيز على الفوارق الطائفية المحضة.
وشخص مثل السيد المالكي لابد ان يخطأ، ليس فقط لانه اقحم نفسه في مكان ليس مكانه، بل لانه احاط نفسه باجواء مريضة لا يمكن ان تنتج له سوى الخطأ في التشخيص.
شخصيا، الرجل ينحدر من اصول دينية، جل نشاط حياته تمحور حول قراءة القران والادعية والصلوات الخمس، وهذا ما يؤهله ليكون رجل دين بارز، وليس رجل دولة، لان رجل الدولة يحتاج بالتأكيد لدراسة الاقتصاد السياسي، ويتعمق بدراسة القانون والعلاقات السياسية، وعلم الادارة، اكثر من العبادة، والتفقه.
واداريا، فالمستشارين الذين اختارهم يكاد يكونون جلهم من لون واحد، من حزب الدعوة لادارة الدولة، ومن حزب البعث لادارة الجيش، وكلا الفريقان لا يمتلكان اكثر مما يمتلك هو من خبرة في مجال ادارة الازمات.
واعلاميا، احاط نفسه بمؤسسات وظيفتها التمجيد لشخصه فقط، من محطات تلفزة، ومواقع الكترونية، وكتاب ومحللين وظيفتهم الوحيدة هي التبرير لكل اخطائه، والقاء اللوم على خصومة السياسيين، حتى باتت هذه المؤسسات، وهؤلاء الكتاب والمحللون يكررون انفسهم وكأنهم محطة واحدة، وموقع واحد وكاتب واحد، ابرز ما ابدعوا فيه هو القاء التهم على كل من يوجه نقدا لسياساته.
ولك ان تتخيل المستقبل في العراق، اذا عرفت ان السيد المالكي مصر على البقاء للولاية الثالثة، محاط بنفس المستشارين، وسط تلهف نفس الاعلاميين للمزيد من التبرير، للمزيد من الاخطاء.
مقالات اخرى للكاتب