توضيح لابد منه
عندما نتحدث عن "شكل الدولة" يجب أن نفرق بين شكلها من الناحية القانونية، وشكلها من الناحية الاقتصادية، وشكلها من الناحية السياسية، فهي لها أشكال متنوعة لجهة كلِّ واحدة من الحيثيات الثلاث السابقة "القانون" و"السياسة" و"الاقتصاد". وبالتالي فنحن معنيون بتحديد شكل الدولة الذي نصبو إليه "قانونيا" و"سياسيا" و"اقتصاديا". ولا يصح أن نتحدث عن شكل الدولة المستهدف من الناحية القانونية، دون أن نتحدث عن شكلها المستهدف من الناحيتين السياسية والاقتصادية، لأن حديثنا عندئذٍ سيكون قاصرا ومجتزءا وغير معبِّرٍ تعبيرا كاملا عن كافة "مكونات الشكل" في الدولة.
كما يمكن اعتبار أن شكل الدولة من الناحية السياسية هو امتداد لشكلها من الناحية القانونية أو العكس، بحيث يقتصر تصنيفنا لشكل الدولة على العنصرين "القانوني" و"الاقتصادي" أو على العنصرين "السياسي" و"الاقتصادي". وفي هذه الحالة، وهي حالة الدمج بين "القانوني" و"السياسي" في توصيف شكل الدولة، فإننا نضطر توصيفيا إلى تقسيم التصنيف القانوني أو السياسي لشكل الدولة إلى تصنيفين فرعيين هما، "شكل الدولة القانوني أو السياسي لجهة الإقليم"، و"شكل الدولة القانوني أو السياسي لجهة السلطة ونظام الحكم".
ولأن "شكل الدولة القانوني" يُدْرَس في "علم القانون" تحت عنوان "القانون الدستوري"، وينطوي على ما يتعلق بالبعد القانوني لجهة الإقليم، ولأن "شكل الدولة السياسي" يُدْرَس في "علم السياسة" تحت عنوان "الأنظمة السياسية"، وينطوي على ما يتعلق بالبعد السياسي لجهة نظام الحكم والسلطة، فإننا سوف ننتهج في عرضنا هذا نهجا يوحد البعدين "القانوني" و"السياسي" في شكل الدولة، في بعد واحد هو "الشكل السياسي" الذي سنقَسِّمُه إلى "الشكل السياسي للدولة فيما يتعلق بالإقليم"، و"الشكل السياسي للدولة فيما يتعلق بالسلطة ونظام الحكم". ثم نتعرض للشكل الاقتصادي للدولة.
أولا.. أشكال الدول من الناحية السياسية..
أ – لجهة الإقليم..
* "الدولة البسيطة"، وهي الدولة التي لا تقوم على إقليمها "الأرض"، سوى سلطة واحدة هي السلطة المركزية، "حكومة" و"برلمانا" و"قضاء". أي أن الدولة بأكملها تخضع لقانون واحد ويشرِّع لها برلمان واحد وتقودها في كافة قضاياها التنفيذية حكومة واحدة.
* "الدولة الفدرالية/الاتحادية"، وهي الدولة التي تنتج عن اتحاد عدة "دول بسيطة" تشكل الإقليم "الأرض"، حيث تتنازل كلُّ دولة بسيطة عن سيادتها في مسائل العلاقات الخارجية، والدفاع القومي "القوات المسلحة"، والعملة، لتصبح السيادة في هذه المسائل لحكومة مركزية تسمى "الحكومة الفدرالية/الانحادية"، كما تتنازل كل دولة بسيطة من مُكَوِّنات الدولة الفدرالية/الاتحادية، عن جانب من العملية التشريعية وبالتالي القضائية، لسلطتين تشريعية وقضائية فدراليتين/اتحاديتين، ويبقى لكل دولة بسيطة مجالها الخاص تشريعيا وقضائيا وتنفيذيا، فيما يتم التعبير عنه بحكومة "ولائية" وبرلمان "ولائي" وقضاء "ولائي"، على اعتبار أن الدولة البسيطة تغدو في مثل هذه الحالة مجرد ولاية من ولايات الدولة الفدرالية.
أما "الاتحاد الكونفدرالي" فهو ليس شكلا من أشكال الدول من الناحية السياسية، لأنه في واقع الحال نوع من العلاقات الثانئية بين دولتين أو أكثر لا تتنازل فيها أي دولة عن سيادتها في أيِّ مجال من مجالات السيادة لدولة أخرى، أو لكيان آخر.
ب – لجهة السلطة ونظام الحكم..
* من حيث شكل مؤسسة الرئاسة..
– الدولة الملكية، وهي الدولة التي تمتلك فيها مؤسسة الرئاسة مشروعيتها بالوراثة دون أيِّ دور للشعب في اختيار تلك المؤسسة.
– الدولة الجمهورية، وهي الدولة التي تمتلك فيها مؤسسة الرئاسة مشروعيتها بالاختيار الشعبي، أيا كانت آلية الاختيار الشعبي المتبعة.
* من حيث صلاحيات مؤسسة الرئاسة..
– الدولة الدكتاتورية، وهي التي تمتلك فيها مؤسسة الرئاسة صلاحيات مطلقة، سواء كانت الدولة ملكية أو جمهورية.
– الدولة الديمقراطية، وهي التي تكون فيها السلطة للشعب باعتباره مصدرها، لأن الديمقراطية هي "حكم الشعب"، وإذا انطبقت هذه الحالة على دولة ملكية فنحن نتحدث عن ملكية دستورية.
* من حيث مرجعية السلطة..
– الدولة المدنية، وهي الدولة التي لا تخضع في قانونها الأساسي "الدستور" لأيِّ شكل من أشكال هيمنة أيِّ دين، ولأيِّ شكل من أشكال هيمنة أيِّ فئة غير مدنية بالمفهوم المتعارف عليه للمدنية.
– الدولة الدينية، وهي الدولة التي تتم صياغة قانونها الأساسي "الدستور" على قواعد دينية وبالاستناد إلى الولاية الدينية.
– الدولة العسكرية، وهي الدولة التي يحكمها العسكر أيا كان حال الدولة لجهة شكل مؤسسة الرئاسة أو صلاحياتها أو مدنيتها أو دينيتها.
* من حيث آلية تجسيد السلطة الديمقراطية..
– الدولة البرلمانية، وهي الدولة التي تتشكل فيها السلطة التشريعية بالانتخاب الحر السري المباشر، فيما تتشكَّل فيها السلطة التنفيذية بالتآلف والتوافق البرلماني. بصرف النظر عن طريقة تشكيل السلطة القضائية، على أن يكون تشكيلها مُعَبِّرا عن حالة ما من حالات استقلال القضاء.
– الدولة الرئاسية، وهي الدولة التي تتشكل فيها كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية بالانتخاب الحر السري المباشر، ولا تسهم إحداهما في تشكيل الأخرى ولا بأيِّ شكل، وإن كان الدستور يضع شكلا من أشكال العلاقة تضبط صلاحيات السلطة التنفيذية المنتخبة بنوع من تدخل السلطة التشريعية في بعض المجالات. وهذا أيضا بصرف النظر عن آلية تشكيل السلطة القضائية، التي سيصار إلى ضمان حالة جادة من استقلالها عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.
– الدولة المختلطة، ويكون ذلك في الدولة التي تنقسم فيها السلطة التنفيذية إلى مؤسستين هما مؤسسة "الرئاسة" ومؤسسة "الحكومة"، حيث يُنتخب الرئيس انتخابا مباشرا حرا سريا، فيما تتشكل الحكومة بالتوافق البرلماني. وعندما تكون الدولة ملكية دستورية، فإن هذا النوع من الدول المختلطة يكون صعبا بل مستحيلا، لأن مؤسسة الرئاسة ستتمثل في الملك الذي يلي منصبه بالوراثة، ومؤسسة الحكومة هي وحدها السلطة التنفيذية الحقيقية، وبالتالي فلا مجال إلا لأن تكون إما رئاسية بانتخاب "رئيس الوزراء" مباشرة من الشعب، وإما برلمانية عبر التآلفات البرلمانية.
ويجب أن نوضح في هذا الصدد أن الحكومات البرلمانية تعاني من حالات عدم الاستقرار السياسي، ولا تُعَبِّر عن فصل حقيقي بين السلطات لأنها في واقع الأمر تحل مشكلة تغول السلطة التنفيذية بمنح التغول للسلطة التشريعية، وبالتالي يكون الفصل بين السلطات قد انعدم. كما أن التحالفات والائتلافات البرلمانية التي تتغير باستمرار لأسباب بسيطة وتافهة أحيانا ولا تعكس إرادة الشعب بالضرورة، ستكون مرتعا للمصالح الحزبية والفئوية والانتخابية الضيقة التي سيدفع الشعب غالبا ثمنها، خاصة في دولة ما تزال تهيمن عليها ثقافة العصبية والمناطقية.. إلخ. وهو الأمر الذي يجعل حالة الاستقرار في السلطة التنفيذية متحققة عندما تكون الحكومة منتخبة مثل البرلمان ولا فرق.
ثانيا.. أشكال الدول من الناحية الاقتصادية..
أ – الدولة ذات الاقتصاد الرأسمالي، وهي الدولة التي تخضع لآليات اقتصاد السوق، وتطبق أيديولوجية "الليبرالية الاقتصادية"، بصرف النظر عن مردودها على العدالة الاجتماعية، وعلى نمط توزيع الثروة الجائر، وعلى البنية الطبقية للمجتمع. وبالتالي فإن اقتصاد هذه الدولة يتم رسمه وتطويره والتعاطي معه بما يحافظ على العناصر الأيديولوجية لاقتصاد السوق. وبما أن اقتصاد السوق هم اقتصاد مأزوم على الدوام بحكم طبيعته من حيث عدم قدرته الأزلية على حل مشكلة الفقر ومشكلة البطالة ومشكلة الملكية ومشكلة التوزيع، فإن أيَّ تعاط مع الأزمات التي يفزرها في المجتمع في ضوء الحفاظ على مكوناته قائمة دون أن تمس، هو شكل خطير من أشكال ترحيل الأزمات ومفاقمة الاختلالات إلى أن يصل المجتمع إلى نقطة لا يعود فيها قادرا على الترحيل، فيحدث الانفجار غير مأمون العواقب.
ب – الدولة ذات الاقتصاد الاشتراكي، وهي الدولة التي تنتهج آليات الاقتصاد الاشتراكي القائمة على "نظرية فائض القيمة" ببعديها "قيمة المنتج" و"التاريخي"، والتي تتجسَّد عبر سياسات اقتصادية تقوم على مبدأ رفض الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وعلى رفض أنواع كثيرة من الملكيات والحيازات الخاصة حتى خارج نطاق ملكية وسائل الإنتاج، وتتعامل مع الثروة المنتجة في المجتمع من على قواعد التأميم والملكية العامة.. إلخ. وتقيم من ثم كافة قواعد التنمية والتوزيع وتقسيم العمل وفق ما تقتضيه تلك الرؤية الأيديولوجة. ومع أن الاشتراكية تنطوي على شحنات من العدالة أكثر بكثير من تلك التي تنطوي عليها الرأسمالية، إلا أنها تبقى عاجزة عن حل المشكلة الاقتصادية إذا تم التعامل معها كحزمة أيديولوجية واحدة دون الالتفات إلى الواقع الاقتصادي المحلي وما يتطلبه تحديدا. فهي شأنها شأن أيِّ رؤية اقتصادية مستوردة لا تصلح لجهة التعامل معها كحزمة كاملة في حل مشكلات أيِّ اقتصاد وطني لأيِّ دولة، لأن التداعيات الجانبية لها والمسببة للاختلالات المختلفة لا يستهان بها. فالتجارب الاشتراكية في العالم، وما نتج عنها من كوارث على صعيد الاقتصاد والفساد والاستبداد ليست عنا ببعيد. هذا فضلا عن الأخطاء الأيديولوجية القائمة في صميم بنية النظرية الاشتراكية ومولدتها الشيوعية من حيث عدم صحة "نظرية فائض القيمة" من الناحية العلمية أصلا. وهو الأمر الذي يمكن إثباته بكل بساطة ولا يحتاج إلى كثير عناء.
ج – الدولة ذات الاقتصاد المختلط، وهي الدولة التي حاولت الهروب من بعض الأزمات التي تولدها الرأسمالية، بالاعتماد على بعض جوانب الاقتصاد الاشتراكي، إذا كانت الدولة رأسمالية أصلا، أو هي تلك الدولة التي حاولت الهروب من بعض الأزمات التي تولدها الاشتراكية، بالاعتماد على بعض جوانب الاقتصاد الرأسمالي، إذا كانت الدولة اشتراكية أصلا. هنا أيضا نرى المشكلات ذاتها قائمة في صميم اقتصاد مثل هذه الدولة. فمادمت الرؤية الاقتصادية المتبعة قائمة أصلا على استيراد نماذج جاهزة – سواء كان ذلك كليا أو جزئيا – دون الالتفات إلى ضرورات التنمية المحلية، وإلى طبيعة الثقافة الوطنية، وحجم الموارد المتاحة، وطبيعة الدور الإقليمي للدولة.. إلخ، فإن الاختلالات ستبقى قائمة في صميم اقتصاد الدولة، سواء ما كان منها اختلالا ناتجا عن الاعتماد على الاشتراكية في بعض جوانب الاقتصاد، أو ما كان منها اختلالا ناتجا عن الاعتماد على الرأسمالية واقتصاد السوق في بعض جوانب هذا الاقتصاد.
د – الدولة ذات الاقتصاد "الإسلامي"، وهي الدولة التي يبشر بها "الإسلام السياسي" والتي لم نر لها أيَّ نموذج متاح في هذا العصر حتى نحكم على سيرورتها، وإن كان بالإمكان الحكم عليها من خلال أدبيات وفكر "الإسلام السياسي" المتاحة حول الرؤية الاقتصادية. وفي هذا الصدد لا نستطيع أن نطمئن إلى رؤية اقتصادية حقيقية يمكن اعتبارها رؤية إسلامية تختلف في بعض جوانبها عن طوباوية تعتمد على أخلاقيات الفرد المسلم، فيما تبقى كافة الجوانب الأخرى قائمة على مكونات لا تختلف إلا في حدود ضيقة عن الاقتصاد الرأسمالي. ولعل النظام المصرفي الإسلامي الذي يعتبر النموذج الذي حاول الإسلام السياسي تسويقه ليعطينا فكرة عما يبشر به من اقتصاديات إسلامية، يعطي نموذجا سيئا وغير مريح ولا يستطيع أن يؤسِّس لاقتصاد عادل وبعيد عن تغوُّل الرأسمالية والطبقية، ما يجعلنا نؤكد على أنه ليس نموذجا رابعا يعتد به، أو البناء عليه، بشكل يتيح لنا القول بأنه "نموذج مستقل ومتكامل"، فلا جديد فيه على الإطلاق، وما فيه ليس سوى رأسمالية مهذبة في جانبٍ، ومتغوِّلة في جانب آخر. مع ضرورة تأكيدنا في هذا السياق على أن قولنا بافتقار "الإسلام السياسي" إلى نموذج اقتصادي مستقل ومتكامل ومختلف عن الرأسمالية، ليس فيه ما يعني أن الإسلام هو كذلك، فمن يفهم هذا الكلام يكون مخطئا خطأ فادحا، فالإسلام السياسي ليس هو الإسلام، وإنما هو قراءات للإسلام قد تصيب وقد تخطئ، ونحن نقول بأن ما تزودنا به تلك القراءات من رؤى اقتصادية هو العاجز والقاصر وغير المختلف عن الرأسمالية، مع يقيننا أن الفضاء القرآني يمتلك مخزونا لنموذج رابع حقيقي ومتكامل ومتميز، إلا ان اكتشافنا لهذا الفضاء يحتاج منا إلى قراءة جديدة ومعاصرة للقرآن تكشف لنا عن مكوناته وآفاقه العظيمة.
ثالثا.. ما هو شكل الدولة الأردنية التي نصبو إليها من الناحية السياسية؟!
بناء على ما سبق فنحن نصبو إلى دولة أردنية تتصف بالتالي من حيث شكلها السياسي..
أ – أن تكون دولة بسيطة لجهة الإقليم.
ب – وأن تكون دولة ملكية لجهة شكل مؤسسة الرئاسة، مع عدم ممانعتنا لأن تكون دولة جمهورية إذا اقتضت الظروف الموضوعية ذلك.
ج – وأن تكون دولة ملكية ديمقراطية "دستورية" لجهة صلاحيات مؤسسة الرئاسة، إذا بقيت دولة ملكية.
د – وأن تكون دولة مدنية لجهة مرجعية السلطة.
ه – وأن تكون دولة رئاسية لجهة تجسيد السلطة الديمقراطية.
ويمكن للمكونين الثاني والثالث أن يسقطا، وتصبح الدولة المستهدفة لجهة شكل مؤسسة الرئاسة وصلاحياتها هي "الجمهورية الديمقراطية"، فيما لو تطورت الأمور في البلاد بشكل تراجيدي بسبب غطرسة وعنجهية النظام ورفضه التجاوب مع أيِّ مطالب إصلاحية أو تغييرية باتجاه تحقيق الإرادة الشعبية. وهذا رهن بسيرورة الأحداث في الواقع.
رابعا.. ما هو شكل الدولة الأردنية التي نصبو إليها من الناحية الاقتصادية؟!
أ – ألا تكون دولة رأسمالية تعتمد على اقتصاد السوق موهِمَةً الشعبَ الأردني أن "الليبرالية الديمقراطية" تقتضي "اليبرالية "الاقتصادية"!!
ب – ألا تكون دولة اشتراكية تعتمد على الأيديولوجية الاشتراكية أو الشيوعية في توزيع الثروة وتقسيم العمل وفي النظر إلى الملكية، موهِمَةً الشعب الأردني بأن العدالة تكمن هناك وهناك فقط!!
ج – ألا تكون دولة مختلطة للأسباب السابقة ذاتها!!
د – ألا تكون دولة تحاول إقامة نموذحها الاقتصادي على أساس ما يبشر به "الإسلام السياسي"، للأسباب التي أوضحناها سابقا فيما يتعلق بالفكر الاقتصادي الذي يبشر به الإسلام السياسي!!
ه – أن يكون شكلا يقيم نموذجه الاقتصادي على أساس تحديد الهدف أولا، ثم البحث عن الآلية التي تستطيع تحقيقه أيا كانت هذه الآلية ثانيا، لتغدوَ هي الأيديولوجية المتبعة في الاقتصاد، حتى لو نسفت كل الأيديولوجات القائمة واخترعت نظاما جديدا أردني المذاق، وهو بالفعل سيكون كذلك، لأنه سيعتمد على عناصر ووقائع خاصة بالأردن، تخلق أهدافا خاصة بالاقتصاد الأردني بوجه عام، وإن حصل التوافق بينها وبين أهداف اقتصاديات أخرى. وبناء عليه فإننا نستطيع تحديد الأهداف التالية بوصفها الأهداف الإستراتيجية غير القابلة للمساومة والتي يجب البحث عن الآليات الاقتصادية التي يمكنها تحقيقها..
* نريد نموذجا اقتصاديا يستطيع خلق حالة تنمية تستند إلى قواعد في "الملكية"، و"الانتاج"، و"التوزيع"، و"الاستهلاك"، و"الادخار"، و"الاستثمار"، تستطيع القضاء على الفقر والبطالة والعوز خلال عشر سنوات دون الاعتماد على الديون الخارجية، ودون بيع القطاع العام، واستعادة ما تم بيعه منه تحت مظلة الخصخصة، والاعتماد على الموارد المحلية لتحقيق أعلى درجات الاستقلال واللاتبعية واللاوظيفية في الدولة.
* نريد اقتصادا يأخذ في الاعتبار وهو يعمل على تحقيق الهدف السابق أن الأردن دولة مواجهة حقيقية مع العدو الصهيوني ومع الإمبريالية العالمية، وأن خوضه لحروب قادمة سواء لاسترجاع أرضه المحتلة عند من يعتقد أن الضفة الغربية أرض أردنية محتلة، أو للإسهام بدور قومي في تحرير الأرض العربية المحتلة عند من لا يعتقدون بأردنية الضفة الغربية، هي مسألة محتَّمة، وبالتالي فيجب أن يتم بناء الاقتصاد الوطني الأردني ليكون اقتصاد مقاومة ومواجهة وحرب بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
وبناء على ما سبق فإن الآليات الاقتصادية التي يجب اتباعها لتحقيق الهدفين الإستراتيجيين السابقيين، يمكن حصرها في التالي..
* الاقتناع بأن الأردن دولة فيها من الموارد ما يكفي لتحقيق ما سبق ذكره، بل وأكثر من ذلك، والاعتماد على استثمار تلك الموارد الاستثمار الأمثل، وفي حال عدم الاقتناع بذلك وعدم اليقين بأن استقلالنا رهن باستثمار مواردنا الضخمة الحقيقية، فلن يحدث تغيير في الأردن أيا كانت الجهود المبذولة لذلك.
* وضع الدولة لخطة يُحدَّد بموجبها الحد الأدنى المستهدف للدخول التي من شأنها أن تحقِّقَ الكرامة الإنسانية وأن تخرجَ كافة المواطنين من دوائر الفقر والبطالة والعوز والحاجة.
* وضع الدولة لخطة يُحدَّد بموجبها الحد الأقصى للاستهلاك على مدى زمني معين وذلك لتجنب هدر الثروة القومية وإتاحة الفرصة لمعظمها كي تضخ في مرافق الاستثمار المختلفة المنتجة للقيم المضافة والمُشَغِّلَة للعمالة.
* الدفع بالاستثمارات التي نتحدث عنها نحو الشرق وخلق تجمعات سكانية جديدة في مواقع الاستثمار التي ستكون معظمها بعيدة عن المدن الحالية، وذلك لتخفيف الضغط عن الخط السكاني الممتد من الرمثا إلى العقبة، بما لذلك من مردود استثماري إيجابي، ومن مردود جيوسياسي مقاوِم بالغ الحساسية.
* ربط الموازنة العامة بما يتيحه الناتج القومي الإجمالي من ضخ مالي فيها بعد أخذ العناصر السابقة في الاعتبار، وتطبيق كافة السياسات الترشيدية التي من شأنها تحقيق هذه الغاية.
هذا هو شكل الدولة الأردنية التي نصبو إليها سياسيا واقتصاديا من وجهة نظرنا المتواضعة، وهو الشكل الكفيل بتحقيق قيمتي "الحرية" و"العدالة" في حاضنتي "التغيير" و"التحرير" على قاعدة "مقاومة المشروع الإمبريالي الصهيوني الوظيفي"، وأيما شكل للدولة لا يأخذ هذه المسائل في الاعتبار فهو شكل نحسبه – من وجهة نظرنا – مخادعا ومضللا وترحيليا ويريد أن يُسَوِّقَ لنا نوعا مجتزءا من الحرية والليبرالية التي تعيد إنتاج "الوظيفية" المتحالفة مع الإمبريالية والصهيونية، في حاضنة الرأسمالية الطبقية المتغوِّلة، ليبقى كل شيء على ما هو عليه بخدعة التعديلات المرتقبة التي ستخدع معظم شرائح شعبنا.