إقالة وزير الدفاع خالد العبيدي، عملية إستجواب سياسي بإمتياز، تحمل دلالات وأبعادا خطيرة، يرى فيها كثيرون انها لن تنتهي بالإقالة،وإنما سيواجه قادة ووزراء المكون العربي (السني) وحتى نوابه ،المصير نفسه الذي واجهه العبيدي ، وستترك تأثيرتها الضارة على مستقبل قادة العملية السياسية وشعب المكون العربي على حد سواء ، ويمكن إدراج تلك المخاطر وفقا للنقاط التالية:
1. المشكلة الأساسية أن من هم محسوبون كقادة للمكون العربي(السني) في البرلمان والحكومة أو حتى من خارجها كانوا هم من أول الداعمين والمحرضين على إقالة وزير الدفاع خالد العبيدي، وبعضهم محسوب على نفس إئتلافه (متحدون للاصلاح) او (تحالف القوى العراقية) إنطلاقا من مصالح شخصية بالحصول على المنصب أو لصفقات تجارية في الاغلب تتعلق بعقود مع الوزارة ،ربما لم يمنحها لهم خالد العبيدي، ماوجدوا فيها فرصتهم للانتقام منه.
2. يبدو ان قيام وزير الدفاع خالد العبيدي بفضح قادة كبارا في البرلمان وفي المكون السني ، بانهم هم وراء محاولات للحصول على (عقود) مع وزارة الدفاع في جلسة استجوابه ،كانت (القشة التي قصمت ظهر البعير) كما يقال، في انها شجعت الكثير من اعضاء مجلس النواب للمضي في إتجاه (الإقالة)، وربما شعر الكثير من اعضاء مجلس النواب انهم امام (تهديد مستقبلي) من المستجوبين الآخرين وهو ما حاول وزير المالية التلويح به ، لكن حظوظ الاخير (زيباري) اكثر بكثير من حظوظ وزير الدفاع، اذ لن يواجه الإقالة في كل الاحوال، وسيخرج منها (سالما) هذه المرة، وقد أجاد التحالف الكردستاني اللعبة مستفيدا مما جرى للعبيدي لكي يسير بها نحو مزيد من التأجيل وكسب الوقت لإبعاد شبح الإقالة في كل الأحوال، وهو ماضمنه الوفد الكردي الذي التقى بالعبادي مؤخرا وحصل منه على (ضمانات) بأن التحالف الوطني لن يصوت على إقالة زيباري.
3. كان الإستدراج (الفخ) الذي وقع فيه وزير الدفاع، عندما وجد نوابا من دولة القانون ومن كتل أخرى، راحوا يشجعون العبيدي على الادلاء بإعترافات، وراحوا يصفقون له ، وشعر الوزير بـ (نشوة التأييد) لما يطرحه داخل مجلس النواب وما درى انهم نصبوا له (الأفخاخ ) كإسلوب إستدراجي لكي يكشف ما بداخله على قادة أو نواب من المكون الذي ينتمي اليه الوزير، وبالتالي يمكن إستخدام تلك الاعترافات وسيلة للاستهداف السياسي ضد قادة ونواب هذا المكون وتسقيطهم أمام جماهيرهم، وهو ماحصل مؤخرا ، إذ ان النواب أنفسهم وهم من دولة القانون الذين صفقوا له في جلسة الاستجواب هو أنفسهم من صوت على قرار إقاالة العبيدي، وقد ارادوا تسقيط قادة المكون العربي (وزراء او نوابا) أو من هم خارج الحكومة واظهارهم على أنهم كلهم (فاسدون) وقد تحكمت فيهم مطامعهم الشخصية وجشعهم وحبهم للمال والثروة بأي ثمن، حتى ولو حساب مصلحة الجمهور الذي ينتظر منهم ان يقدموا له شيئا، واذا بهم يخذلونه في أكثر من مناسبة، في حين لم تتم محاكمة الفاسدين لا من التحالف الوطني ولا من التحالف الكردستاني وكأنهم (منزهون) و (محصنون) وليس بمقدور أحد إزاحتهم عن مواقع السلطة والقرار.
4. وجد وزير الدفاع خالد العبيدي نفسه وحيدا في مواجهة (مأزق) لم يكن محسوبا بدقة ، وكانت مواقف الكتل السياسية قبل يومين من جلسة الإقالة تسير بإتجاه عدم التصويت على اقالته، لكن (التصويت السري) كشف ان حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر، وظهرت (تغيرات) في مواقف الكتل، بعد تحركات مكثفة بذلها الساعون لإقالته، بل ووجدت فيها كتل أخرى من دولة القانون وكتلة بدر ونواب من المكون نفسه الذي ينتمي اليه العبيدي فرصتهم لإزاحة العبيدي من على واجهة وزير الدفاع، نكاية بمواقف سياسية، تتعلق بالموقف من مشاركة الحشد الشعبي، والعمل على تنصيب وزير آخر للدفاع قبل بدء معركة تحرير الموصل.
5. ان وزير الدفاع وجد نفسه (ضحية) استهداف مبرمج من أناس من نفس محافظته وآخرين من محافظة أخرى لديهم (أخطبوط) من العلاقات مع كتل أخرى قاموا بـ (تحركات) مكثفة و(مريبة) إستخدموا فيها كل (إغراءات المال السياسي) و(إمبراطورية الإعلام) التي يستحوذون عليها لكسب أصوات المؤيدين للإقالة ودعم هذا التوجه سريعا في البرلمان، ومن كتل سياسية تتربص بالعبيدي وائتلافه ومن النائبة عالية نصيف التي (استقتلت) من اجل إزاحة العبيدي بأية طريقة وحرضها آخرون للمضي في إستجوابها والدعوة سريعا لإقالة وزير الدفاع لانه لم يحقق لها رغباتها ومطالبها، وكانت له معها (خصومة) ولايعرف الكثيرون كيف يكون (الخصم) هو (القاضي) وهو من يسعى لتشويه سمعة الوزير بأية طريقة ، وكانت لها ما ارادت،وكان يفارض ان يتم إبدال النائبة عالية نصيف بأي نائب آخر لهذا السبب والعمل على (تأجيل التصويت) على إقالته فترة اطول قدر الإمكان. 6. على خلاف اقالة العبيدي سوف لن تتم إقالة وزير المالية هوشيار زيباري ولا وزير الخارجية ابراهيم الجعفري، لأن الكرد أجادوا اللعبة ، وعرفوا كيف (يناورون) وقد تحركوا بكثافة على الكتل الاخرى، وتم تأجيل التصويت على اقالة الوزير أكثر من مرة، بل انهم ضمنوا عدم تصويت التحالف الوطني (الكتلة الأكبر) على اقالة زيباري، كما ان نواب المكون (السني) هم ضد الاقالة، ولهذا فإن (سيناريوهات) اقالة زيباري ستكون مختلفة في توجهاتها، ويبدو ان الحال نفسه ينطبق على الجعفري.
7. لن يكون بمقدور العبيدي كسب (الطعن) الذي تقدم به ، على رغم (مشروعيته) لأن الجو العام في التحالف الوطني (مشحون) ضد اعادته بأي حال من الأحوال، والقضاء لابد وان يتعرض لضغوط ، تمنع سماع دعاوى الطعن من هذا النوع ، لهذا فإن القرار الذي سيصدر هو بالضد من رغبة العبيدي في كل الأحوال، و(المبررات) في قضايا من هذا النوع وضد المكون (السني) موجودة ، ولن تحتاج الى جهد لإكتشافها.
8. إن (الشوشرة) التي حصلت و(المسرحية) التي أدار فصولها الممثلون بعناية ، كان الهدف منها ان لاتبدأ معركة الموصل والعبيدي على رأس وزارة الدفاع، وأن من شأن أي شخصية أخرى من المكون العربي(السني) قد تحقق لقادة التحالف الوطني رغبتهم بل وإصرارهم على مشاركة الحشد الشعبي، بالضد من توجهات قادة كثيرين ، من المكون العربي ومن عشائر نينوى ، الرافضة لدخول الحشد الى مناطقهم، وستقبل الشخصية الجديدة لمنصب وزير الدفاع بأي (مطالب) أو (شروط) يضعها التحالف الوطني، دونما (مناقشة) كونهم سيكونون هم أصحاب الفضل عليه في أنهم هم من أوصلوه الى هذا المنصب الرفيع.
9. ان أطرافا في التحالف الوطني تدرك ان إقالة العبيدي ستزيد من حالة الانقسام والتفكك داخل قادة المكون العربي، لكي لايقال ان التحالف الوطني نفسه مهدد بالانقسام ، كما ان من شأن (الإقالة) شرذمة قوى تحالف القوى والعمل على خلق الصراعات بين إئتلافاتها ، لكي يتعمق الشرخ ويبقى مصير المكون العربي (السني) ميئوسا منه لسنين طويلة.
10. وقد يواجه وزير التربية محمد إقبال المصير نفسه الذي واجهه العبيدي، في استجوابه المقبل، بعد أن أجادت قوى في التحالف الوطني (اللعبة) في أن تظهر وزراء ونواب المكون (السني) على انهم ( فاسدون ) ينبغي إقتلاعهم، اما نواب (التحالف الوطني) و( الكرد) فلن يكون بمقدور أحد الإقتراب منهم.
هذه ملاحظات مهمة ، أوردناها ، للتدليل على مدى الخطورة التي ترتبت على اقالة وزير الدفاع خالد العبيدي ، وبالرغم من ان (الفاسٍ قد وقعت في الرأس) كما يقال، الا ان بقاء قادة المكون العربي(السني) يعيشون حالة إصطراع واحتراب وتقاتل على المغانم ، ربما سيترك تأثيرات خطيرة ، ليس على مستقبلهم كقادة يمثلون مكونا مهما، بل على لأن مصالح مكونهم الذي ستضرر هو الأخرى بشكل كبير، ولم تبق له قيمة بعد اليوم، بعد ان تقطعت بالكثيرين السبل، لانه لاوجود لمن يدافع عن حقوقهم واحلامهم المشروعة بجدية وبلا أطماع شخصية وكثرة الفاسدين فيهم ، ربما الا القلة القليلة، التي تتعرض لضغوط من جهات مختلفة، لابقاء مكونها يرزح تحت نيران التشرد والاضطهاد وتفتت محافظاته، وتشرذمها، وهم في أغلبهم في أوضاع مزرية، ولن يجدوا من يناصرهم على الخلاص من موقفهم هذا إن بقيت مواقف قادة المكون العربي (السني) على هذه الدرجة من الإصطراع وفقدان المكانة.
مقالات اخرى للكاتب