رغم النصوص الدستورية التي تؤكد على المساواة وعدم التمييز بين المواطنين وحرية التعبير عن الرأي وتكافؤ الفرص بين الجميع واحترام كافة المعتقدات في دول الخليج، إلا أن تعاطي المؤسسات الإعلامية الممولة من قبل السلطات تظهر خلاف ما ورد في النصوص الدستورية لتلك الدول فيما يخص تكافؤ الفرص بين المواطنين، وهذا يُعَدّ مؤشراً فاضحاً للتمييز في دول الخليج أساسه الاختلاف في الفكر والمعتقد، علماً إن من يتم تهميشهم إعلاميا ليسوا من الوافدين على تلك الدول أو من الأجانب المقيمين فيها، بل هم من سكان البلاد الأصليين وممن يحملون جنستها.
النائب الكويتي صالح عاشور يسأل وزير الإعلام عن أسباب "عدم استضافة برامج التلفزيون والإذاعة لرجال دين شيعة"، فمادام المواطن الشيعي هو ابن البلد وممن يحمل جنسيتها، فلماذا لم يتم السماح له بطرح أفكاره من خلال المؤسسات الإعلامية للدولة التي لا تمييز بين مواطنيها، ومادام مبدأ المواطنة الكاملة، المتساوية، والفاعلة، واعتبار المواطنة - ولا شيء غيرها - مصدر الحقوق، ومناط الواجبات، ودون تمييز، فما هو الضير من استضافة رجال دين شيعة في وسائل الإعلام كغيرهم من رجال الدين الآخرين.
يرى حقوقيون في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، إن مثل هكذا تمييز يعد بمثابة بخس لحق أقرته أغلب دساتير دول الخليج بالنسبة لأتباع هذه الطائفة وحرمانهم من حقوقهم المدنية والفكرية، ففي مجال حماية الحقوق والحرّيات؛ فإنّ كافة دساتير دول مجلس التعاون - بخلاف النّظام الأساسي السّعودي - تضمّ العديدَ من المواد التي تتعلّق بضمان الحرّيّات العامة، وحقوق المواطنين، إلا أنّ صياغة هذه المواد تُقيّد الكثير من النّصوص التي تحمي الحقوق والحريات بأحكام القانون وضوابطه، مما أفسح المجال – عمليّاً - لإصدار قوانين عدّة تُقيّد ممارسة هذه الحقوق والحرّيّات.
الدّستورُ البحريني ورغم تأكيده على مبدأ صيانة الحقوق والحرّيّات العامة، وعلى المساواة بين المواطنين أمام القانون، وحظر التّمييز بسبب الجنس أو الأصل أو اللّغة أو الدّين أو العقيدة، وعلى حماية الحرّيّة الشّخصيّة، وحقّ الملكيّة، وضمان حقّ المحاكمة العادلة، وحظر التّعذيب المادي أو المعنوي، أو الإغراء، أو للمعاملة الحاطّة بالكرامة، ويُبطل الاعترافات الصّادرة تحت التّعذيب. كما يؤكد أيضاً على حرّية الضّمير، وحماية دُور العبادة وممارسة الشّعائر الدّينيّة ويكفل حرّية الرّأي والتّعبير والصّحافة والنّشر، ومع كل تلك النصوص الجميلة الواردة فيه، نشاهد سلوك السلطات في البحرين تخالف روح تلك النصوص، كما إنها لم تعمد في إعلامها إلى استضافة رجال الدين الشيعة للحديث في مناسبة إسلامية -على سبيل المثال- وبخاصة بعد الاحتجاجات التي شهدتها البحرين ضد سلوك السلطة الحاكمة وتمييزها بين المواطنين.
كذلك الدّستور القطري يتناول بين نصوصه مفاهيم المساواة وحظر التّمييز بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللّغة، أو الدّين ويحظر التّعذيب والمعاملة الحاطّة بالكرامة وإبعاد المواطنين. كما ينصّ على حرّية الرّأي والتّعبير. ورغم ذلك يتم التمييز في وسائل الإعلام القطرية ويبخسون حق رجال الدين الشيعة، والامر لا يحتاج إلى شاهد أو مثال.
دولة الإمارات أيضاً، ينص بابُ الحقوق والحرّيّات العامة في دستورها على المساواة أمام القانون، وعدم التّمييز بين المواطنين بسبب الأصل أو الموطن أو العقيدة الدّينيّة أو المركز الاجتماعي، كما ينص على حرّية الرّأي والتّعبير والمراسلات والقيام بشعائر الدّين، وحرّية الاجتماع، غير أن السلوك البوليسي للسلطات الإماراتية تجاه الشيعة يخالف قواعد القانون الإنساني قبل مخالفة النصوص الدستورية ويتم اقصاء رجال الدين الشيعة بعدم استضافتهم في برامج تلفزيونية.
أما في عمان والتي يضمّ النّظام الأساسي في دستورها، موادّ تنصّ على حماية الحقوق والحرّيّات العامة، مثل الحرّيّة الشّخصيّة وحرّيّة الرّأي والتّعبير وحرّية الصّحافة والطّباعة والنّشر والاجتماع، ورغم إحترامها لحقوق الإنسان وعدم ارتكاب انتهاكات كبيرة في باب الحقوق والحريات العامة إلا أن الحضور الإعلامي لرجال الدين الشيعة في مؤسسات الدولة الإعلامية لم يكن بالمستوى الذي يرقى إلى المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين.
وبخلاف باقي دساتير دول مجلس التعاون الخليجي يبقى الدستور السعودي- لا يحتوي على أيّ ضماناتٍ بشأن حرّية الاعتقاد، أو ممارسة الشّعائر الدّينيّة، أو حرّية التّعبير أو المساواة بين المواطنين، فما يعتقد به الملك والأسرة الحاكمة أو من يفتى لها من رجال دين هو الذي يجب أن يعمل به المواطن في السعودية، وإن سجل المملكة في حقوق الإنسان حافل بالانتهاكات الكبيرة والخطيرة وبخاصة ضد المواطنين الشيعة الذين يشكلون الغالبية العظمى من سكان مناطق إنتاج النفط في المملكة، ومن باب أولى فإن عدم توجيه دعوى لرجال دين شيعة واستضافتهم في برامج تلفزيونية أو إذاعية أو أية وسيلة إعلامية أخرى غير مستغرب في السلوك السياسي السعودي.
إن وجود سلطة إعلام محايد لا تفرق بين مواطن وآخر وتؤمن بتعزيز حرية التعبير، تعد وسيلة ناجحة لترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان والوصول إلى الحكم الرشيد، إذ لا بد للسلطات في دول الخليج أن تمنح مواطنيها -على اختلاف معتقداتهم- الحرية التامة للتعبير عن آرائهم والاستماع إلى وجهات نظرهم، كما يجب إعطاء الناس الحرية للتعبير عن آرائهم والمشاركة في القرارات التي تؤثر على حياتهم بدون خوف.
فهم-أي الناس- يحتاجون إلى تعزيز القدرة على المشاركة الاجتماعية عبر وسائل الإعلام، ومن خلال تمكين الجميع طرح أفكاره، يمكن بالتالي للحكومات والشركات ومنظمات المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية فهم احتياجات المواطنين والتفاعل معها والاستجابة لها بطرق جيدة، وإن أغلب رجال الدين الشيعة في دول الخليج ليسوا من دعاة العنف ومن المرجح أن تكون آرائهم عبر الإعلام ايجابية تنفع الدولة والمجتمع في تحقيق الاستقرار والتماسك.
..........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
مقالات اخرى للكاتب