مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
مدونة مشروع الجرائم ضد أمن وسلامة البشرية عام ١٩٩١ ذكرت الجرائم ضد الإنسانية تحت عنوان انتهاكات حقوق الإنسان بصورة منتظمة وعلى نطاق واسع، وأن كل من يرتكب أو يأمر بارتكاب أي انتهاك من الانتهاكات الآتية لحقوق الإنسان بصورة منتظمة أو على نطاق جماعي وهي: "القتل العمد، والتعذيب، وإخضاع الأشخاص لحالة الرق أو العبودية أو السخرة أو الإبقاء على هذه الحالة والاضطهاد لأسباب اجتماعية أو عرقية أو دينية أو ثقافية، أو يأمر بارتكاب أو يرتكب جريمة إبعاد السكان أو نقلهم عنوة يعاقب".
وقد جاء التقرير الأخير للخارجية الأمريكية بخصوص الحريات الدينية الخاص بعام 2015م ليكشف مدى بشاعة الجرائم التي تعرض لها الشيعة وعَدّها "جرائم إبادة"، ويمثل هذا التقرير اعترافاً صريحاً من قبل الولايات المتحدة بوقوع إبادة جماعية تعرض لها الشيعة على أيدي التنظيمات التكفيرية المتطرف في أغلب دول العالم على مدى السنوات الماضية، وتعد جريمة الإبادة الجماعية إحدى الجرائم الموجهة ضد الجنس البشري، بل يمكن وصفها بأشد الجرائم الدولية جسامة وبأنها جريمة الجرائم، وذلك لما تشكله من تهديد للإنسان، حياته وصحته وكرامته، وتظهر خطورتها في كونها تهدد بإبادة جماعة أو جماعات كاملة لأسباب دينية أو عرقية أو عنصرية أو قبلية...الخ، وتأخذ الإبادة إما صورة مادية كما في الاعتداء على الحياة أو الصحة، أو صورة بيولوجية كما في إعاقة النسل وحرمان جماعة من النسل للتكاثر عن طريق التعقيم والإسقاط، أو تنصب الإبادة في صورة ثقافية كما في حرمان مجتمع ما من لغته أو ثقافته.
والسؤال هنا، هل لا تزال الدول تتخذ مواقفها تجاه الشيعة على أنهم مجرد جماعات توالي نظام الحكم في إيران وتدور ضمن فلك السياسة الإيرانية وبالتالي يتم السكوت عن الجرائم التي يتعرض لها الشيعة في العالم على خلفية مواقف سياسية؟
المحيط العربي وجه أصابع الاتهام للشيعة في جميع دول العالم على أنهم جماعات توالي نظام الحكم في إيران، ودائما ما يلصق صفة العمالة إلى الخارج، وعدّهم امتداد لمشروع إيراني "صفوي" في المنطقة، دون الاعتراف بهم كموطنين أصليين في بلدانهم التي عاشوا فيها وضحوا من أجلها واكتسبوا جنسيتها، ولأن العقدة العربية من مسمى الطائفة الشيعية في العالم تُعَدّ عقد طائفية عززها التنافس على النفوذ مع الجانب الإيراني، وبالتالي دارت ماكنة الإعلام العربي مدعومة بالمال الخليجي بالعمل على "شيطنة" الشيعة باعتبارهم الخطر الأكبر الذي يواجه مستقبلهم، بل وصل الأمر إلى اعتبارهم أشد خطرا من دولة إسرائيل على الوجود العربي والإسلامي!!.
وكان لسقوط نظام البعث في العراق عام 2003م أثر كبير في تحريك تلك الماكنة لشن الحرب المعلنة ضد الشيعة والدعوة الصريحة إلى القضاء عليهم بإتهامهم بشتى الاتهامات، وصارت المؤسسات الرسمية والدينية التكفيرية لا تألوا جهدا بتجنيد المتطرفين وتغذيتهم فكريا وتزويدهم مادياً وتحريضهم بشن الهجمات ضد الشيعة في جميع أنحاء العالم، حتى كان التحذير من وجود الخطر الشيعي أو ما يسمى بـ"الهلال الشيعي" قد صدر من جهات رسمية عربية تمثل سياسة رسمية عليا، كما جاء على لسان الملك الأردني عبد الله الثاني، أما الدور الإعلامي الذي قادته المؤسسات الإعلامية العربية وفي مقدمته الإعلام الخليجي فقد أسس للكراهية المطلقة ضد الشيعة في جميع دول العام والتحريض المستمر على قتلهم.
وهكذا بدأت الحرب على الشيعة بدخول الإسلام المتشدد المتمثل بتنظيم القاعدة وتنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية "داعش" ليرتكب أكبر وأبشع الجرائم والمجازر الوحشية بالقتل العشوائي الذي استهدف الأسواق والمدارس ودور العبادة، ليطال الأطفال والنساء والشيوخ دون استثناء، وكل تلك المجازر كانت تحت أنظار المجتمع الدولي وممثليات الأمم المتحدة وموفديها وطواقم عملها في العراق والمنطقة.
وقد سجلت الأمم المتحدة في مطلع القرن الحالي شهادتها على عظم المجازر التي ارتكبها نظام الحكم "السني" في العراق ضد الشيعة قبل الإطاحة به من قبل التحالف الدولي عام 2003، وقد أشرفت كوادر الأمم المتحدة بنفسها على فتح العشرات من المقابر الجماعية كان قد ارتكبها نظام صدام ضد شيعة العراق في ذلك الوقت لتأتي بعدها جماعات سنية تكفيرية تستمر في نفس النهج بالإبادة الجماعية وبتمويل إقليمي عربي واضح.
بعد كل المجازر والجرائم التي تم ارتكابها ضد الشيعية من قبل النهج التكفيري تأتي اليوم الخارجية الأمريكية لتعلن في تقريرها الخاص بالحريات الدينية وتتطرق إلى ارتكاب "إبادة جماعية" ضد الشيعة، فما الذي استجد في هذا التقرير؟ وهل للتقرير أثر على وقف عمليات الإبادة التي يتعرض لها الشيعة في أغلب دول العالم وفي مقدمتها العراق وباكستان وأفغانستان وسوريا ونيجريا واليمن وغيرها؟ وهل تلك الجرائم تنتهي بزوال الأشخاص النظام الذي ارتكبها؟ وما الذي يجب على الشيعة فعله بعد كل تلك المجازر والإبادة التي تعرضوا ويتعرضون لها وبشهادة العالم؟.
إن الإبادة التي تعرض لها الشيعة في العالم لا تحتاج إلى دليل أو توثيق أممي أو جهد كبير لإيضاحها، لأن جميع الأحياء يشهدون عليها، وهي ليست بالحادثة التاريخية البعيدة حتى يتم الجدل في وجودها أو عدم وجودها أو في إثباتها ونكرانها، وبالتالي كان لابد لصوت دولي يرتفع بوجه الجهات المحرضة والممولة سواء كانت (دول، مؤسسات، شخصيات)، لكن يبقى السؤال لماذا لم يذكر التقرير الدول الداعمة للإرهاب؟، فقد شجب تقرير الخارجية الأمريكية كيانات، ليست بالدول، مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" وجماعة بوكو حرام النيجيرية الإسلامية المتشددة اللذان لا يزالا يمارسان أكثر الانتهاكات فداحة للحريات الدينية في العالم.
وعليه لابد من اتخاذ خطوات جدية بخصوص هذا الموضوع تتمثل في:
1- ضرورة فتح ملف الإبادة التي تعرض لها الشيعة دولياً وعلى أعلى المستويات باعتبار إن ما تعرض له الشيعة من إبادة خلال السنوات الماضية لم تتعرض له أي جماعة دينية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
2- فتح ملف الدول الداعمة والممولة للإرهاب ضد الشيعة، وأن تتخذ الأمم المتحدة وبكافة أذرعها القانونية والجزائية هذه المهمة باعتبارها الراعية للسلام في العالم.
3- أن يتم محاسبة الدول والشخصيات ورجال الأعمال المرتبطين بعمليات الإبادة والقتل وان لا تسقط المحاسبة عن الجرائم بالتقادم أو بتغير النظام السياسي في أي دولة دعمت ومولت وحرضت ضد قتل الشيعة في العالم.
4- اخذ تعويضات تتناسب وحجم الإبادة التي تعرض لها الشيعة طيلة الأعوام الماضية بسبب عنف الجماعات التكفيرية والدول الساندة لها، كما فعلت بريطانيا وغيرها من الدول التي تعرض رعاياها إلى هجمات إرهابية من دول حرضت ضد مواطنيها.
5- سن قوانين دولية تجرم التحريض بالعنف ضد الشيعة وإثارة الكراهية لهم بكافة الوسائل.
6- يجب أن يعتمد ما جاء في تقرير الخارجية الأمريكية كوثيقة رسمية على الإبادة التي تعرض لها الشيعة تترتب عليها آثار قانونية وجزائية في المحافل الدولية.
إن استمرار صمت المجتمع وعدم تفاعله مع ما يجري ضد الشيعة يثير العديد من علامات الاستفهام والريبة، ويشكك بمصداقية المنظمة الدولية ومجلس الأمن في حفظ السلم الدولي ويشجع الجهات الداعمة للإرهاب على التمادي في أفعالها ضد الإنسانية والتخلص من تبعات أفعالها الإجرامية بسهولة وبالتالي إفلاتها من المحاسبة سواء كانت تلك الجهات دول أو مؤسسات أو شخصيات ذات نفوذ، وإن عدم قيام الأمم المتحدة متمثلة بمجلس الأمن الدولي والأجهزة التابعة له بواجبها القانوني والإنساني يجعل أغلب الطوائف الدينية المسالمة عرضة للقتل والإبادة من قبل قوى التكفير والإرهاب.
مقالات اخرى للكاتب