بعد عشرة سنين عجاف منذ سقوط النظام أشعراليوم بالخجل أمام أهلي ونفسي لأني كنت من المعارضين لنظام فاشل بإمتياز ، إنتقلت بعدها لأكون جزءاً من نظام جديد أكثر فشلاً وبإمتياز أعلى .
أعترف لكم اليوم بهذا الفشل بعد أن يأست ويأِسَ قَلَمي وعِلْمي وعَمَلي من حالة مستعصية ومرضٍ عضال أصاب جسد الدولة عسى أن يُحْتَسَبْ هذا الإعتراف لي ليكون فضيلة أكفّر بها عن بشاعة وحجم الفشل والإخفاق الذي تنامى بجسد الدولة منذ اليوم الأول لسقوط النظام الصدامي البغيض ، وولادة أربعة حكومات متعاقبة تنافست فيما بينها أيّهما أكثر فشلاً ، وكنت أسعى جاهداً في جميعها أن أكون ممن يرسون ويساعدون ويُدَعّمون بناء الدولة الحديثة ومؤسساتها الدستورية ومجتمعها المدني العصري بتطوره والملتزم بدينه وشرفه وقيمه بقلمي وعملي الجاد والمخلص بعيداً عن أي مصالح شخصية وضيقة لهذا الحزب أو ذاك أو لهذا القائد أو ذاك لكني طُعِنْتُ بمقتل ومُنيت بفشل ذريع لإصطدامي بجدران المحسوبية والمنسوبية والمصالح المتقاطعة لهذا أو لذاك وأصبحت من غير مرغوب بهم من الجميع إلاّ من رحم ربي منهم وهم قلّة لاتُذكر لأني لم أُهادن الباطل والفاسد والمريض ولم أقبل أن أكون جزءاً من مشروع الفشل الذريع والفساد المنظّم الذي ينخر الدولة بكل مفاصلها .
فدُبِرَتْ المكائد وأُحيكت المؤامرات وأُلِّفَتْ القصص الكاذبة والباطلة للنيل مني لالسبب إلاّ أني قلت لبيك ياوطن وكنت حرباً على الظلم والجهل والفساد والمحسوبية التي تفاقمت وإستقوت وإستشرت بوجود قادة الصدفة في مراكز القرار .
فأصابني إحباط ويأس عظيم بعد أن تأكد لي أن لامكان لمثلي بين مثل هؤلاء وإن العملية السياسية بالعراق ميؤس منها وهي تحتضر اليوم بعد أن ماتت سريرياً منذ مدة وبكل المعاني العلمية للموت السريري وأصبحت تنتظر طلقة الرحمة أو تنتظر رفع أجهزة الحياة عنها ليُكتَبْ لها شهادة الوفاة الرسمية وتُدْفن بمزابل التاريخ لترجع ريمة لعادتها القديمة ويبقى الشعب بإنتظار مغامر جديد من العسكر أو ممن يواليهم ليدخل القصر الجمهوري ويُذَبّح من فيه ليعلن العهد الجديد .
كنت أحلم بيومٍ موعود للعراق ولأهلي يعيشون فيه بكرامة وعزة كباقي البشر . .
وكنت أحلم بدولة تُلبي الحد الأدنى لإحتياجات مواطنيها . .
وكنت أحلم بمستقبل وردي وشفاف وواعد لأطفالٍ وُلِدوا محرومين من هو مادون الخط الطبيعي لكل أطفال الدنيا . .
وكنت أحلم بعدالة إجتماعية يتساوى فيها الغفير والوزير . . يتساوى فيه العراقيون وينهلوا جميعهم من منهل العدل الإلهي الذي يتبجح به معظم قادة اليوم مدّعين التديّن . .
وكنت أحلم بدولة قانون لايعلوا فيها أحد أو يتعالى ، لابحزب دولة القانون الذي هو أبعد مايكون عن القانون . .
وكنت أحلم بدولة لاوجود للظلم والظالمين فيها فتفاجئت أن معظم مظلومي الأمس أصبحوا من أعتى الظَّلَمة اليوم .
وكنت أحلم بدولة لافرق فيها بين مسلم وكردي ومسيحي إلاّ بتقوى الله وحب الوطن والولاء له ، والعمل بإخلاص لخدمة المجتمع لننال مرضاة الضمير المستتر والشعب المظلوم .
وكنت أحلم بدولة لايضيع فيها الحق حتى لو لم يكن له مطالب ، لا بدولة ضاع فيها الحق في دهاليز الفساد والرشوة والمحسوبية حتى لو كان وراءه ألف مطالب ، بدولة يحكمها السارق والقاتل والمريض والمشخوط ويتسلط فيها على رقاب الشرفاء .
وكنت أحلم أن أكون وقلمي جزءاً من لَبِناتْ الدولة الجديدة ، دولة الحق والعدل والقانون ، دولة المحبة والتسامح والتعاضد والتكاتف ونكْرانْ الذات .
أكتب اليوم لكم وأنا أشعر بمزيج غريب من مشاعر الألم والحسرة والحزن والكآبة والإحباط والمرارة واليأس على وطني وعلى أهلي ونفسي من وضع حزين ومرير لاأستطيع فيه إلاّ أن أحتسب لله العلي العظيم وأردد في نفسي وبهدوء . .
((إنا لله وإنا إليه راجعون)) .
أكتب قولي هذا وأستغفر الله لي ولكل شريف قاصد الخير لهذا الوطن .
واحسرتاه على العراق . . واحسرتاه على العراق .
أستودعك الله ياوطن . .
أستودعك الله ياعراق .
وأستودع الله كل من لازال شريفاً بوطن ضاعت هويته عن عمدٍ وقصد .
والسلام . . عسى أن نلتقي بالشرفاء في عالمٍ آخر . . عالم أفضل ليس فيه عراق مثل عراقنا الذي نعيشه .