في لقاء مع قناة الشرقية ، دفع اياد علاوي الى الواجهة مجددا بفكرة اعادة تشكيل ائتلاف العراقية ، والذي تصدر بزعامته في العام 2010 نتائج الانتخابات النيابية ، وتعرض لتصدعات فيما بعد لاسباب مختلفة ، ابتدأت مع تفسير المحكمة الاتحادية لمفهوم الكتلة الاكبر ، وحرمان علاوي من حق التكليف بتشكيل الحكومة تاليا .
اياد علاوي ، رئيس اول حكومة بعد التغيير ، رئيس ائتلاف الوطنية حاليا ، والشخصية السياسية المخضرمة ذات النفوذ الوطني والدولي ، يبرع اكثر من غيره في حبك التحالفات السياسية ، والتي وان لم تعمر ، الا انها غالبا ماتنجح في تأدية الجانب الاهم من وظيفتها الاساسية ، مايجعل التحالف مع علاوي ، بوجود مساحة معقولة من المشتركات الستراتيجية او التكتيكية ، ليس ممكنا حسب بل وآمنا ايضا.
تميزت مسيرة علاوي السياسية الطويلة بحرصه الشديد على الشراكة مع قيادات مختلف القوى السياسية والاجتماعية الوطنية ، الدينية منها والمدنية والعشائرية ، قبل وبعد التغيير ، في المعارضة والسلطة ، وظل مؤمنا بخلق والاستناد الى قاعدة مقبولة من التوافق السياسي ، وان بحدوده الدنيا ، لمجابهة عملية تمزيق النسيج الاجتماعي اولا ، وتسهيل آلية الانتقال الآمن نحو الدولة - المؤسسة ثانيا ، وهي الرؤية التي تقود نهجه المتواصل لتحقيق المصالحة الوطنية .
يرفض علاوي اختزال المصالحة الوطنية في اجابة السؤال الاشكالي : المصالحة بين من ومن ؟ ، والذي يضع اجابة تحريضية : بين الجلاد والضحية ، بين البعثي القاتل وضحايا المقابر الجماعية ، بين داعش الارهابي والعراقيين ، وهذه مغالطة مقصودة قد تنطلي على بسطاء الناس وتستفزهم ، اذ لايصح التبشير بمجتمع يتنكر للعدل ويرفض الاقتصاص من الجناة وانصاف ضحاياهم .
ان جوهر المصالحة ، في مشروع علاوي ، يمتد الى بناء مجتمع متصالح مع ذاته وقيمه ومصالحه ؛ في الانتماء والهوية والتسامح والتعاون والتعايش السلمي ، وخلق دولة متصالحة مع ذاتها كمؤسسة قائمة على القانون ، ومع مجتمعها في اعلاء مفاهيم المواطنة من مساواة وعدل وامن وخدمات وعيش كريم ، ومع محيطها الاقليمي والدولي في الانخراط بحسن الجوار والالتزام بالقانون الدولي واحترام حقوق الانسان ، وهو مايعني الحاجة الى مداخلات تشريعية ، وسياسات واجراءات تنفيذية وقانونية ، كفيلة بايجاد مناخات من الثقة وارضية مؤسسية صلبة لقيام دولة المواطنة المدنية ، فايجاد بيئة واعدة من المصالح والقيم لكل الشرائح والافراد في المجتمع محمية بقوانين عادلة تجنب الوقوع في فخاخ التساؤل عن الاطراف التي ينبغي مصالحتها .
ان غياب المنهج السياسي - الحكومي للتقدم بالمصالحة حتى الان ، والتنصل اخيرا عن عهدة هذا الملف الى السيد علاوي طبقا لاتفاق تشكيل الحكومة ، اضافة الى عوامل اخرى لاتقل اهمية ، تقف بمجملها وراء التحرك الجديد لاحياء مشروع تحالف العراقية ، فمثل هذا التحالف ، ان تم ، يشكل المساحة الاوسع من الارضية السياسية الصلبة للمصالحة المنشودة ، يستمد عوامل نجاحه من التوجه الشعبي العام الرافض للنهج الطائفي والفساد السياسي والتبعية ، والذي عكسته المظاهرات والاحتجاجات الاخيرة ، كما ان الحراك الاقليمي والدولي لايجاد تسويات سياسية في المنطقة يستحث العمل على وضع مقاربات وطنية داخلية مشابهة بين مختلف القوى المجتمعية الفاعلة ، وهي امور لايمكن ان تغيب عن حسابات علاوي ، سيما باستحضاره لتجربته الغنية في مواجهة التطرف السياسي والانقسام الطائفي والعزلة الاقليمية والدولية للعراق ،خلال الحقبة السابقة .
لقد نجح علاوي عبر تحالفاته السياسية بوضع العصي في دواليب المشاريع الطائفية وتعطيلها مثلما نجح في ابقاء المشروع الوطني للدولة المدنية حاضرا وفاعلا في المحفلين الوطني والدولي ، كما افلح في زحزحة اهم التوجهات والشخصيات عن مواقعها الطائفية صوب المشروع الوطني العراقي ، ولقد كان لنجاحه وائتلافه في تصدر نتائج انتخابات العام 2010 ، وبراعته في تفكيك منظومة التحالفات الطائفية ، ونسج تحالف اربيل - النجف ، والذي كاد يطيح برئيس الوزراء السابق لولا التدخلات الخارجية ، اكبر الاثر في تعزيز روح التحدي وديمومتها لدى جماعات التيار المدني ازاء استفحال الظواهر الجهوية والتقسيمية .
توجهات علاوي لتشكيل ائتلاف عابر للطائفية على غرار ائتلاف العراقية السابق ، وليس استنساخا له ، يمكن فهمها اخيرا بدلالة فشل حكومة العبادي في تحقيق الاصلاحات الموعودة ومحاربة الفساد ومواجهة غرق بغداد والمحافظات الاخرى بالامطار ، وبالتالي تراجع الدعم الشعبي والبرلماني لها ، وهو ماعبر عنه قرار مجلس النواب اخيرا بسحب التفويض عنها والزامها باحترام الدستور والقوانين وتنفيذ التزاماتها والقيام بمهامها ، وربما كان ذلك استشرافا مبكرا من علاوي لطبيعة المرحلة القادمة بتحدياتها وسبل مواجهتها عبر قيادة جديدة ، اشمل تمثيلا واكثر انفتاحا باتجاه الداخل والخارج .
مقالات اخرى للكاتب