بدءا نقرر بأن النظام العراقي فاسد من قمتة حتى أخمص قدميه ، ولا نتهم طرف سياسي دون آخر بل ان هناك نوع من الكهنوت السياسي الذي يقود العملية السياسية العراقية ، والذي يصدر اوامره لقواعده باستمرار لادامة عمليات النهب والسلب ، واللامبالاة لما يحصل ويتطور من فساد اداري ومالي . وتخريب لكل مفاصل الدولة والتغاضي عما يحصل من سرقات وتزوير وفساد دون أي محاكمات او استرداد للاموال المسروقة ان كانت عن طريق السرقة المباشرة لأموال الدولة ، أو اغتصاب أراضي الدولة او المواطنين ، وعدم ملاحقتهم قضائيا واسترداد الاموال المسروقه لاي كان عن طريق مصادرة املاكهم المنقولة وغير المنقولة ، او حرمانهم من جميع حقوقهم المدنية ، او أي إجراء قانوني آخر . فقد رأينا الترحيب بالعديد من المتهمين بسرقة المال العام بالعودة لتسلم مهام رسمية كما حصل مع التهويل الذي جرى لفضح نائب رئيس الوزراء صالح المطلك ، أو عودة ابنة رئيس الجمهورية الوزيرة المتهمة بسرقة المال العام جوان محمد فؤاد معصوم للعمل كمستشارة وبراتب خيالي في مكتب والدها . بينما قامت الدنيا ولم تقعد عندما اراد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بتعيين ابنه في مكتب الرئاسة الفرنسي .
فالجميع ممن يشارك في قيادة السلطة " الديموخرافية " في العراق " الجديد " من زاخو حتى الفاو يتمتعون بنفس المؤهلات في اللصوصية ، والسلب والنهب ، والرشوة والفساد الاداري ، والتغاضي عن محاسبة المتهمين ، وترك الارهابيين بدون تنفيذ لاحكام الاعدام ، وعدم محاسبة المسئولين من لصوص المال العام او مزوري الشهادات ، فلا فرق بين زيد او عمرو مطلقا . أما في شمال الوطن حيث تنعدم نهائيا سلطة الدولة فلا حسيب ولا رقيب على من يسرق الضرائب والكمارك والمكوس ورسوم المعابر الحدودية ، والنفط المهرب الذي يدخل خزائن حسابات البعض في اوربا .
والمشكلة ان خيرة ابناء العراق من العلماء والاكاديميين والتقنيين والفنيين والادباء والفنانين ، يقفون بعيدا على التل ان كان في الداخل ، او من هم في الخارج ينظرون نظرة من لا حول ولا قوة له على فعل شئ ، ومن بعيد ، بينما وطنهم يذهب نهبا لقادة الكهنوت السياسي من مختلف القوى والمنظمات والاحزاب القومية والطائفية المشاركة بالسلطة دون ان يستطيعوا فعل شئ .
وزاد من تشويه الديمقراطية المشوهة العرجاء في العراق ماجرى من انقلاب دستوري ضد العملية الانتخابية والقفز على السلطة خارج النطاق الشعبي والديمقراطي ، وما جرى من تشويه للممارسة البرلمانية عندما راح ما يسمى بـ " رئيس " مجلس النواب القادم وفق المحاصصة والتسويات السياسية وليس عن طريق الديمقراطية ، وكأنه في سوق للمزاد العلني بترديد عبارة " موافقة بالأكثرية " ، بعد التصويت الصوري على رئيس الوزراء والوزارة والوزراء ونواب رئيس الجمهورية وبرنامج الحكومة دون أي حساب للاصوات ولا احترام للقانون ووفق محاصصة قومية وطائفية مقيته جرى الاتفاق عليها مقدما بين الاطراف المتصارعة على كعكة السلطة .
اذن فنحن امام تحريف وتشويه خطير للممارسة الديمقراطية وبيد حكام لا يحترمون الشعب ولا القانون ، ويتعامون عن قصد عن محاسبة كل لصوص المال والارهاب وتخريب الاقتصاد العراقي وتدمير المجتمع ، وتشويه كل ماهو سوي .
ما العمل إذن ؟
ليس أمام العراقيين أي ممر او درب آمن يوصلهم نحو المكاسب الشعبية ، سوى طريق واحد لا ثاني له مطلقا يتمثل في اعادة تشكيل التنظيمات الشعبية والجماهيرية التي تنشد التغيير الديمقراطي ، وتحارب الفساد المالي والاداري ، وتستأصل بوحدتها الوطنية كل العناصر الفاسدة والمفسدة والدخيلة على العملية الديمقراطية المنشودة . ويتمثل ذلك العمل في إعادة اصطفاف القوى ذات المصلحة الحقيقية في التغيير من كافة شرائح الشعب العراقي دون النظر للقومية والدين والطائفة ، وبصورة خالية من التزويق السياسي والبهرجة الاعلامية وبعيدا عن الزيف والتطبيل والتزمير " الثوري المزيف " ، لتشكيل " الجبهة الشعبية للتغيير " المناوئة للعناصر الفاسدة ، والانتهازية التي ركبت موجة عملية التغيير وخاصة في المكونين السياسيين القومي " الاكراد وسياسيو الصدفة العرب" والطائفيين من " السنة والشيعة " . وان تأخذ هذه الجبهة على عاتقها الاتصال بالشخصيات والقوى الوطنية العراقية ، وخاصة العناصر الشابة الاكاديمية والمثقفة والتقنية التي يمكن ان يستفاد من خبرتها العلمية والتقنية البلد . وان يستبعد كل السياسيين الفاشلين والمتملقين والفاسدين ، الذين مارسوا السلطة خلال المرحلة السابقة من عمر مابعد سقوط نظام الفاشست العنصريين من البعثيين . ويكون بعقد مؤتمر عراقي عام يحضره كل هؤلاء وتجري فيه مناقشة لكيفية تجاوز كل اخطاء المرحلة السابقة ، وتجاوزها ، وان يصار لاصدار توصيات تكون مرجعا مستقبليا لقيادة الجبهة الشعبية للتغيير ، ويخصص الجزء الاكبر منها لمناقشة عملية اصلاح وتغيير الدستور وتعديل قانون الانتخابات البرلمانية والمحلية لكي يتم تنقيتهما من كل ما علق بهما من مواد رسخت المحاصصة القومية والطائفية ، وعملية انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الجماهير بعيدا عن المحاصصة القومية والطائفية ، لكي يحق لكل عراقي مؤهل لترشيح نفسه لهذا المنصب .
ولا نريد أن نحدد أطراف سياسية معينة لتصدر هذه الجبهة كي لا تكون ملاذا جديدا لكل هواة السياسة ، ومنتهزي الفرص والانتهازيين وأصحاب الأغراض والأطماع السياسية . بل تكون مثيلا للهبة الجماهيرية التي تكنس كل غبار السياسة السابق ، وتمحو كل اثارها ، وتنتخب هي بنفسها قيادتها الجماهيرية بدون أي تزلف او محاباة ، ووفق الكفاءة العلمية والثقافية والتقنية ، والجهادية الوطنية .
مقالات اخرى للكاتب