لا يكاد العراق يخرج من أزمة حتى يستقبلأزمة أخرى، وكأننا من البلدان التي أصبحت متطورة في صناعة الأزمات، هناك أزمات نتيجة لظروف طبيعية وهناك أزمات مصطنعة تستخدمها جهات أو أحزاب أو أشخاص لتحقيق أهداف معينة الغرض منها الكسب السياسي والانتخابي، فمنذ أول حكومة بعد الاحتلال وليومنا هذا ونحن بلد الأزمات والصراعات السياسية حتى أصبح ابسط مواطن يعرف كيف يفكر السياسيون وما هي أهدافهم، لكثرة المشكلات السياسية التي عصفت ولازالت تعصف في المشهد السياسي، ولا نعلم لماذا لم تستفد الطبقة السياسية من تراكم الأزمات وتكرارها فيإيجاد الحلول السريعة التي تجعل الأمورتسير في الاتجاه الأكثر سهولة وصولاً إلى نتائج واقعية ملموسة، ولماذا كل شيء في العراق يتحول بسرعة البرق إلى أزمة يتوقفمن اجلها البلد ومؤسساته، فمثلاً كشف المفسدين والسراق يتحول إلى أزمة، ويصبحهؤلاء السراق أشبه بالملائكة في نظرأحزابهم، وإقالة وزير مقصر جعل من وزارتهمكتب للمقاولات، يتحول موضوع إقالته إلى حرب شعواء ربما تقود إلى تقسيم البلاد، حتى أصبح الدفاع عن الوزير الفاسد أهم منالدفاع عن وحدة العراق في الفقه السياسي للطبقة الحاكمة، وعندما تقوم المؤسسة البرلمانية الممثلة للشعب بأداء دورها التشريعي والرقابي يتحول عملها إلىخيانة وتطبيق أجندات سياسية خارجية بنظر من يرفض الإصلاح والتغيير الدستوري، حتى قطر السماء الذي يروي عطش الأرض ويكحل جروف الأنهار فهطوله يغرق البلاد والعباد ويصبح الوطن عبارة عن مستنقع آسن من الأوحال والمشكلات وكل جهة ترمي الكرة بملعب الجهة الأخرى للخروج من دائرة التقصير، وهكذا تدور الأيام والسنين ونحن من أزمة إلى أزمة، وهذا يعطي صورة سوداوية عن الواقع العراقي، هناك أسباب عديدة للمشكلات والأزمات، ومن هذه الأسباب فشل الحكومة في التعاطي الايجابي مع الأحداث السياسية، وافتقادها إلى المرونة في التعامل مع ما يجري في الساحة وبذلك تتحول كل وجهات النظر والاختلافات إلى مائدة دسمةللأزمات يعتاش عليها من يعانون حالة منالإفلاس السياسي، فالحكومة بحاجة إلى خطاب وسطي يحفظ هيبة الدولة ويخفف من حالة الاحتقان في ساحة الأطرافالمعارضة على الأداء الحكومي، وليس من الصواب أن تتعامل الحكومة برؤية أحاديةوفق إستراتيجية حزبية، هذا التعامل ينعكس سلباً على الوضع العام، فالعراق يمر بمرحلة استثنائية تستوجب جلوس الجميع لطاولة الحوار الوطني، فالوضع الداخلي يعاني من فقدان الثقة بين مكوناته السياسية، نتيجة لتنصل الحكومة من الاتفاقات الكثيرة التي أبرمتها مع الشركاء، مما ولد فجوة واسعة بين التيارات والقوى الفاعلة، هذه الفجوة تحتاج إلى ثقافة الإيثار وتغليب المصلحة العامة من أجل خروج العراق من نفق الصراعات السياسية التي ربما تتحول إلى صراع طائفي يدفع ثمنه أبناء الوطن الواحد وهذا الأمر مرفوض، فالدم العراقي لهُ حرمته ويجب الحفاظ عليه مهما كانت الظروف، وعلى الحكومة أن تتعلم من هذا الدرس جيداً، وأن يكون فشلها في إدارة الأزمات باباً للإصلاح الحقيقي وفرصة لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء، فلا حل سوى الحوار واحترام المؤسسات الدستورية وعدم الهيمنة على كل مفاصل الدولة بطريقة أحادية من قبل الحزب الحاكم، الظرف الحالي بحاجة إلى إشراك الجميع من أجل تجنيب العراق مخاطر وكوارث قد تكون لها تبعات على المستوى البعيد، كفانا تناحراً وصراعاً من أجل مناصب زائلة لم تنفع من تمسك بها من قبل والماضي ليس ببعيد، على الحكومة أن تعترف بفشلها في إدارة الأزمات وعلى الجميع أن يركنوا إلى لغة الحوار والخطاب الوطني الذي يرسم خارطة وطنية لتجاوز المرحلة الحالية بدون غالب أو مغلوب.
مقالات اخرى للكاتب