التجربة الديمقراطية المنبثقة من بين النقائض في العراق الديمقراطي الجديد، بعد 9 نيسان 2003، خضعت لمبدأ استعارة المناهج الفاشلة، عموديا في الزمان، وافقيا في المكان.
اذ استعرنا من المكان، فكرة المحاصصة الطائفية والقومية، التي طبقت العام 1967، في لبنان، ذي الشعب المسالم.. المتحضر.. الودود، فجرت عليهم حربا اهلية بعد سبع سنوات، حاول خلالها العقلاء، السيطرة على الامور للحيلولة دون الانفلات، ولم ينفع العقل اذا (تسودنت) الناس.
أدخلت المحاصصة شعب لبنان حربا اهلية دامت خمس عشرة سنة، وما زالت شواظها تتطاير، فكيف بنا.. نحن العراقيون، الشعب المصنف في قواميس علم الاجتماع، شعب صعب، استنادا الى مجموعة من المواصفات السائدة، في المعدل العام لسلوك الافراد داخله.
استعار اصحاب القرار بعد 2003 تجربة فشلت لدى شعب سهل، لتطبيقها على شعب صعب، هذا من حيث افقية المكان، الفاشلة، اما على صعيد عمودية الزمن، فاليوم يستعير رئيس الوزراء نوري المالكي، تجربة ممن حل بديلا عنه، ولم تنفعه، او تحميه من السقوط.
فالمالكي بما يقدم من هبات لدول لا تربطنا بها اية مصالح على المستوى المنظور، يسير بوقع الحافر على حافر الطاغية المقبور صدام حسين، الذي اجاع شعبه، وانشغل بالصيت القومي والعالمي المخادع، على شكل مبالغ فلكية من الهبات، والهدايا العينية التي تلغ حد بناء مدن ومصانع ثقيلة لدول لم يسمع بها المواطن العراقي، ولم تعنَ يوما بالشأن الدائر في العراق، لا قبل الهبات ولا بعدها، فضلا عن كوبونات النفط التي تقاضاها فنانون واعلاميون عرب واجانب لم يسمع لهم صدام صوتا وهو مختبئ في حفرته على مرمى عصا من مسقط رأسه تكريت.
والمالكي يتورط بركوب السربس الناقل ذاته الذي نسي صدام نفسه عليه، فذهب به من القصر الجمهوري المدجج بالرجال والكلاب والاسلحة الفتاكة، الى حفرة تكريت في خلاء اجرد، وها هو المالكي بعد دورتين، قضاهما متربعا على دولاب السلطة.. السلطة فارهة الرفاه، يرتقي السير الناقل للحركة، من المنطقة الخضراء الى... اسواق السيدة زينب مرة ثانية.. ربما؟
احال المالكي العراق، من دولة تلملم جراحها لتنهض كالعنقاء من رماد الحروب وخراب الحصار ورعب الارهاب، الى دولة مانحة، كما لو كانت تعيش في رخاء مطبق، كما لو يخشى على شباب العراق، من شيوع ظاهرة الانتحار التي انتشرت في السويد خلال التسعينيات بسبب شدة الرفاه!
كيف يكون العراق دولة مانحة وشعبه يتلظى بنار العوز وجحيم الفاقة.. لا خدمات ولا ماء ولا كهرباء ولا أمن ولا سكن ولا تربية ولا صحة.
اكثر من عشرة ملايين تحت خط الفقر، جائعون، والمالكي يهب اموالا طائلة لدول لا تعنى بالشأن العراقي، ولن تنفعه اذا لم ينتخبه شعبه، كمن يزرع في غير ارضه.
يتامى وارامل ومعوقون ومتقاعدون، تهملهم الدولة باقل من مائة دولار كل شهرين، بينما رئيس يهب جزرالقمر ودول اخرى اموالا شعبه اولى بها، عملا بالمبدأ الفقهي الذي ينص على ان (ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع).
مقالات اخرى للكاتب