دلت الأحوال الجوية وشدة البرد وكثرة الأمطار التي هطلت في أخريات السنة السنة 1953 وأوليات العام 1954 أن فيضاناً سيداهم العراق،مما حدا بنواب مجلس الأعيان توجيه تسألاً للحكومة فقد وجه العين نصرة الفارسي الى وزير الزراعة عبدالغني الدللي تسألاً عن الإجراءات التي سيتم اتخاذها لدرء الخطر
الأمر الذي دعا الوزير للإجابة عن تسألاً الوزير بعيداً عن روح التعالي بأن الخطة ستتم عن طريق تقوية السداد الضعيفة وتنسيق العمل والمراقبة لمختلف دوائر الدولة.
فكانت التوقعات في محلها لأن فيضان عام 1954 كان الأعنف في تأريخ العراق بسبب طغيانه وحدته ففي الثالث من كانون الثاني 1954 هطلت امطار غزيرة استمرت أربعة وعشرين ساعة في عقرة واثنتي عشر ساعة في السليمانية كما بلغت الثلوج المتساقطة في خورمال قرب الحدود الإيرانية 33 سنتمتر وفي شباط بلغ سمك الثلوج في السليمانية 60 سنتمتر وفي اربيل متر،لتبلغ موجة الاستياء العام سيما في مجلس الأعيان التي بدأت تطالب بوضع حلول سريعة ومؤثرة لدرء الفيضان لاسيما أن منسوب المياه وصل الى أكثر من 36 متراً وهو أمر لم يحدث منذ 48 عاماً،وهذا ما دفع الحكومة الى احداث بعض الكسرات في ضفاف نهر دجلة لتقليل حدة المياه ولم يكن المسئولين بمنأى عن المخاوف فقد كان رئيس الوزراء آنذاك محمد فاضل الجمالي الذي بقى عاكفاً ومتفرغاً للأشراف على حماية العاصمة من الفيضان ويقضي ساعات طويلة في مديرية الري العامة،ولم يبخل بوقته بل دعا الوزراء والمسئولين وأصحاب الاختصاص بل حتى رؤساء الوزراء السابقين للمناقشة وطرح آرائهم بالموضوع،ووصل به الأمر بأنه طلب على الفور نقل سكنه الرصافة الى جانب الكرخ خوفاً من الغرق،ولكن رفض الاقتراح من قبل وزير الداخلية سعيد قزاز لأن هناك جسرين فقط يربطان الكرخ بالرصافة وهذا بدوره سيحدث حالة من الذعر في صفوف السكان التي يترتب عليها حدوث نكسة أخرى تتمثل بحدث وحالات أصطدم بسبب حالة الارتباك ليزيد من المشكلة أزمة أخرى،وهذا ما دفع الحكومة للاستعانة بصمام الأمان والمتمثل بالجيش ليأخذ دوره الوطني لحماية الشعب فأستدعي وزير الدفاع اللواء خليل جميل من العمارة الذي كان في مهمة تفتيشية،ووضعت تحت تصرفه كل ما احتاجت اليه عملية الإنقاذ فرتب قطاراً يحمل التراب من صوب الكرخ إلى صوب الرصافة وأقام سدة ترابية ساعدت كثيراً على درء الأخطار المحيطة بالعاصمة.
وفي السياق نفسه قطع الملك فيصل الثاني زيارته الى باكستان وتم تحشيد مائة وثمانين الف شخص لحماية العاصمة وشاركت ثلاثة عشر شرطة هندسية.
ولم يقتصر الأمر على الجيش بل دعت القوى والأحزاب العراقية على اختلاف مشاربها العمل بجهد متفاني لدرء الفيضان فدى الحزب الوطني الديمقراطي من جانبه دعا أنصاره ومؤازريه للعمل بكل إمكانياتهم لدرء الخطر وحذت الأحزاب العلنية الأخرى(الاستقلال،والجبهة الشعبية التقدمية،وحزب الأمة الاشتراكي)حذو الحزب الوطني الديمقراطي كما أن الأحزاب السرية ومنها الحزب الشيوعي العراقي الذي بدوره سخر جميع إمكانياته المحدودة من خلال إصدار بيان دعا جميع أعضائه للعمل بكل طاقاتهم من أجل حماية العاصمة من الفيضان ولم يقتصر الأمر على اعضائه بل شمل القرار حتى قادته الذين نزلوا بدورهم لحمل التراب وإقامة السدود ففي السياق ذاته يذكر سعيد قزاز المعروف بمناوئته للشيوعيين بقوله"بأن العناصر الشيوعية لم تستغل هذه الفاجعة لتزيد الطين بلة،أو الوضع ارتباكاً كما هيه عادتها ولو أنها فعلت ذلك،لجعلت العاصمة عاليها سافلها،و لأصبحت بغداد اثراً بعد عين"وهي شهادة تحزب للشيوعيين عن تفانيهم في الدفاع عن العاصمة متناسين دورهم المنادي لإسقاط النظام الملكي بأسره.
وحاولت حكومة الجمالي من جانبها بمساندة المنكوبين وتقديم ما يلزم من عون وتعويض فشكلت لجنة في الثلاثين من آذار 1954 للإطلاع على الأضرار التي أصابت المواطنين وبالرغم من الجهود التي بذلها رئيس الوزراء تقدم في 12 نيسان 1954 أحد عشر نائباً طلباً بإجراء تحقيق نيابي حول كارثة الفيضان واتهموا الحكومة بالتهاون وقال معتذراً (ان الجهود التي قامت بها وزارة الزراعة والداخلية وباقي الوزارات في إنقاذ بغداد أنقذت حياة الكثيرين من ابناء الشعب ولا يمكن أن ندعي أن بأن ما جرى وقمنا به هو الكمال ولكن حسن النية وروح الخدمة ومواصلة العمل أن يعترف به ولو قليلاً).
ونتيجة ازدياد المعارضة الرسمية والشعبية تجاه حكومة محمد فاضل الجمالي مما دفعه هلى تقديم استقالته في 19/4/1954
مقالات اخرى للكاتب