لا يشك أحد بكثرة الموهوبين من الشباب العراقي، والفئات العمرية الاخرى، ولكن في حقيقة الامر، الموهبة وحدها لا يمكن أن تُثمر، أو تنتج، أو تقدم فعلا ملموسا، قبل أن تجد الرعاية اللازمة لها، حتى تتمكن من تحويل افكارها وطاقاتها من الفكري الى الملموس، بمعنى أن الموهوبين بحاجة الى تأهيل ورعاية خاصة تناسب مواهبهم، وتدعمهم بطرف فعلية علمية مخطَّط لها.

وأول المسؤولين هنا الدولة والسلطة التنفيذية والوزارة المعنية والمؤسسة التابعة لها، فضلا عن منظمات المجتمع المدني المعنية بالشباب، او المنظمات المهنية والثقافية المعنية بقدرات الشباب وتنمية وحماية مواهبهم، علما أن مفهوم التأهيل يعني في أوضح وأدق تعريف له، هو تهيئة الانسان لكي يكون منتجا، وتستدعي هذه التهيئة النفسية والجسدية والحرَفية والعلمية، جملة من الاجراءات التي تنتظم ضمن خطة واضحة المعالم، يتم الاستناد اليها والعمل بها لغرض جعل الانسان متفاعلا مع الاهداف الفكرية والعملية التي يسعها لهضمها وتحقيقها.

وليس عيبا أن نستفيد من تجارب الدول الاخرى في هذا المجال، فهناك خطـــوات تتخذها بعض الدول لتأهيل الفرد قبل أن تطالبه بإثبات موهبته في حيّز العمل والانتاج، من خطوات التأهيل المعمول بها في تلك الدول، مثلا منح المعلم الموهوب اجازة من العمل لمدة شهر وارساله في دورة تطويرية الى احدى الدول المتقدمة، فتكون هذه الاجازة بمثابة تجديد للفكر واساليب العمل فضلا عن تجديد طاقة الجسد والعقل والــــنفس من خلال فرص الترفيه المتاحة والمدعومة من لدن الدول ماليا.

وهكذا يعود المعلم بحصيلة تربوية رائعة من خلال اطلاعه اثناء الدورة التطويرية على احدث اساليب التعليم، والتعامل المتوازن والناجح مع الطلبة، ولا ينحصر هذا الامر بالمعلم فحسب، لان الجميع بحاجة الى عملية تأهيل متواصلة، وفي الغالب تكون الحكومة مسؤولة عن هذا النوع من التأهيل، ولكن المجتمع عموما لديه نزعة ورغبة تنحو الى التطور، حيث تقول المؤسسات الاهلية الانتاجية او سواها بعمليات تأهيل متواصلة لملاكاتها، بسبب إيمانها بأولوية تنمية رأس المال البشري.

فالغرب على سبيل المثال، يهتم برأس المال من العملات الصعبة التي تدعم الاقتصاد وتطوره، ولكن الغرب نفسه يهتم اكثر برأس المال البشري، والعقول الذكية القادرة على وضع الافكار الراقية في مجالات الانتاج المتنوعة، وقد اكدت دراسة متخصصة على اهمية تدريب الملاكـــــــات في مختلف المجالات التعلـــــــيمية والتربوية والثقافية مشيــــــرة إلى ضرورة تضافر الجهود في توفير مستلزمات بناء الشباب لكونه يشكل القاعدة الأساسية في المجتمع، وذلك من خلال الدورات التدريبــــــية المركزية، لتأهيل الملاكات القيادية العاملة في مجال الأنشــــطة التربوية، وواقع التربية في العصر الحديث وما يتعرض له الشباب من ضغوط معنويــــــة ومادية، تدفع بهم للابتعاد عن واقعهم وقضاياهم المهمة، لذلك لابد من وضع ستراتيجيات وخطط عملية فاعلة وفق معايير وأسس علمية حديثة، تضمن الوصول إلى الأهداف المرجوة، من خلال إقامة الدورات والندوات والمؤتمرات، لاستقطاب أكبر عدد من الشباب وتأهيلهم وتدريبهم في المجالات المختلفة.

وأخيرا لابد من القول أن المجتمعات الحريصة لا تهمل مواهبها، وهذا ما نشاهده هنا في بلدنا، حيث نلاحظ اهمالا للموهوبين ولاسيما الشباب منهم، وهو امر لا ينبغي السكوت عليه، بل علينا جميعا أن تبذل مزيدا من التنبيه والحرص على مساندة الاشخاص الموهوبين ودعمهم في المجالات كافة، بما يجعل من قدراتهم فاعلة ومنتجة، ومن طاقاته مستثمَرة في الواقع العملي.

فالمـطلوب هو الحرص الجمعي الرسمي والاهلـــي، على تطوير وتنمية قيمة التأهيل، لكي يكون الفرد قادرا على مواصلة العطاء، ومؤهـلا بصورة جيدة لاداء عمله في افضل صورة ممكنة، فالهدف الاول والاخير عدم اهمال المواهب حتى لا تموت، وحتى يتم استثمارها خدمة للعراق بأفضل الحالات الممكنة.