شاع- خطأً- في الاحداث الاخيرة التي اجتاحت وما زالت تجتاح عالمنا العربي المغبون والمأزوم والمبتلى بقادته و زعمائه، شاع مصطلح "تنازلات"!.كانت وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة الرسمية وشبه الرسمية، المحايدة والمعادية والمنحازة تردد عقب كل اطلالة عصبية مرتبكة لأحد الزعماء المخضرمين اجبرته عليها حناجر ساحات التغيير وميادين التحرير: الشعب يريد اصلاح النظام ليطلق سراح حق من مئات الحقوق التي صادرها على مدار حقب وعقود جثومه على صدور الملايين المغبونة من شعبه المضطهد المكبل فتطبل زبانيته: السيد الرئيس القائد المنقذ قدم الكثير من التنازلات ولكن "العملاء" يرفضون ذلك فهدفهم تخريب البلاد وتحطيم العباد. عندها تسارع الفضائيات والاذاعات والصحف- بتوجهاتها المختلفة- ملتقطة المفردة "ببغاويا": قدم الرئيس الفلاني تنازلات اصلاحية تلبية للمظاهرات والاحتجاجات المليونية في ميدان كذا او دوار كيت ولكن المعارضة رفعت سقف مطاليبها. وحين يضطر الرئيس لاطلالة جديدة ولهجة "اجدد واخف" طبعاً بعد تبدل كلمة "اصلاح" بكلمة "اسقاط" فيطلق بعض الحقوق التي كان الحديث عنها يؤدي بصاحبه الى حبل المشنقة او الى زنزانات النسيان تنطلق ابواقه المأجورة مجددا: القائد يقدم المزيد من التنازلات فتردد القنوات تبعاً لها... المزيد من التنازلات.لكن الجماهير حفظت الدرس جيداً وتعاملت مع الحدث بدقة...قالت بصوت واحد ارحل..ارحل خدعتمونا سنينا، واستغفلتمونا عقودا...حانت ساعة حسابكم. هذه حقوقنا المغبونة التي صادرتموها بطغيانكم وليست تنازلات ومنة من جيوبكم او من بيوت "الخلفوفكم"، حقوقنا التي تحيلونها هذه المرة الى "رشوة" مؤقتة تريدون اسكات صرخاتنا الثائرة بها وتكميم افواهنا ونحر أمانينا. حقوق لم تفرجوا عنها الاّ خوفا على عروشكم التي هزها صراخنا وسيجرفها نزيف دماء شهدائنا الابرار.اين كنتم عن هذا الكرم والتواضع قبل انفجار بركان الصبر؟! حتى معالجتكم كل الازمات خلقت ازمات وازمات واعلنت افلاس خزينة البلاد.لانريد تكرار سيناريو سقوط بعض الانظمة العربية في العراق ،فبرلمان العراق وحكومته افرزتها صناديق اقتراع انتخابات حرة ادتها الجماهير مختارة ،وهذه الجماهير نفسها هبت اليوم متذمرة من فساد بعض من اوصلتهم الصدفة الى سدة الحكم فما على الكتل المشاركة في الحكومة الا اصلاح ما افسده وزراؤها اصلاحا جذريا وشاملا والا فستضحي بمستقبلها السياسي وتأريخها ان بقي لها تأريخ .
مقالات اخرى للكاتب