ثمة من يقول أن التاريخ صناعة فردية، إي أن التاريخ تحركه أرادات الأفراد، غافلا أو متغافلا عن دور الشعوب..
أصحاب هذا الرأي يرون أن الشعوب ليست إلا وقودا حيويا يستخدم لإدارة محركات التاريخ، أما قيادة التاريخ فهي مهمة أفرادا "تاريخيين"... وبالحقيقة فإن مثل هذا القول يمكن قراءته قراءتين: الأولى تفيد بصحته، والثانية تنقضه من أساسه، وتلك هي الطريقة المثلى في القراءة الموضوعية..
القراءة التي تفيد بصحة هذا الرأي تقول أن أحداث التأريخ الكبرى، هي حاصل جمع سلسة من أحداث الصغرى في حقبة تاريخية معينة، وأن هذا الحاصل هو الحصاد النهائي الذي يترك لنا التاريخ غلته، نستخدمها في بناء حاضرنا عبرة، وفي السعي نحو مستقبلنا إعتباراً..
الأحداث الصغرى هي الأخرى نتاج تحركات وأفعال لجماعات يقودها أو يحركها أفراد متميزون بشيء ما، يجعلهم مؤثرين في بيئتهم وبالأحداث..وفي ذات المسار، وعندما تكبر الأحداث، يحركها أفراد متميزون بين المتميزين، إولئك هم القادة العظام وصناع الأحداث الجسام...
في القراءة التي تنقض الرأي القائل بأن التاريخ صناعة فردية، ينظر الى ما نسميه دور الفرد ـ المحرك ـ الزعيم ـ الرمزـ ـ القائد في تحريك عجلات التاريخ، على أنه في واقع الأمر من عمل المحيطين به من مريدين وأتباع ومنفذين ومتنفذين ومستفيدين وكل حسب إسهامته، هؤلاء الأفراد لا تحركهم إلا نوازعهم الذاتية، التي من خلالها يستطيعون إقناع الرمز الزعامي بتبني ما يصدر عنهم ليخدم أهدافه، وغالبا ما يصدر عنهم يتسم بالطابع الأناني الذاتي الضيق، قوامه أفكار شريرة، دافعها الحقد أو التسلط أو ضعف النفس أمام المال والشهوات...هؤلاء هم الذين يلتفون حول الرمز السلطوي، والسلطة هنا عنوان عريض جدا أضيق أمثلته الدولة ونظام الحكم ،وإلا فإن هناك الرمز العشائري والقبلي، والرمز المالي والاقتصادي، وربما هذا الرمز أقوى الرموز..! ولدينا في حالتنا العراقية رموزا من هذا النوع تحرك تاريخ حقبتنا وفقا لإرادات الأفراد والجماعات التي تمثلها والتي التقت مصالحها بمصالح الرمز الاقتصادي..
في بلدنا اليوم صراع جديد ليس بين القوى السياسية، بل لدينا صراع بين رموز من النوع الذي ذكرناه قبل قليل، وهؤلاء يسخرون الأحداث ويوجهونها لخدمة مصالحهم...هؤلاء ثقافتهم تتعدى ثقافة المال، وهي ثقافة بلا قيم، وليس لديها من أولويات غير أولوية نمو المال، لكنهم يستخدمون السياسة والسياسيين كأدوات في صراعاتهم..
ولسنا بحاجة الى ذكر أسماء، فذكر الأسماء يضعف هذه الرؤية، التي يبدو أنها تصلح لكل زمان ومكان، لكن قراءة في تاريخنا الإسلامي، تعطينا صورة عن أمثلة كثيرة لهذا النوع من الصراعات..وكل الذين حكموا الدولة الإسلامية بخلافاتها الثلاثة، كانوا من هذا النوع... فيما عدا أبو تراب..!
كلام قبل السلام:حتى الطغاة يطفح خطابهم السياسي بالنوايا الحسنة، ولكن الأفعال لا تترجم هذه النوايا..!
سلام...
مقالات اخرى للكاتب