افتتح مقالي هذا بالتحية الى الأستاذة تهجد التميمي المدرسة المثقفة والكاتبة الشجاعة وهي من أسرة قدمت الشهداء لأجل العراق وديالى ، وقد لفتت تلك السيدة انتباه الرأي العام لما يجري في المحافظة عبر مقالاتها الحافلة بالمعلومات والتحليل ، اذ يشعر الأهالي هناك باحباط مما آلت اليه عملية تشكيل الحكومة المحلية الجارية ، ويشعرون بقلق ومخاوف متزايدة بأزاء المستقبل ، فقد كان جمهور تحالف ديالى الوطني الذي لديه 12 مقعدا في مجلس المحافظة المرتقب وهو صاحب الاغلبية يتوقع ان يبادر ممثلوه الى تشكيل الحكومة المحلية بسرعة كاستحقاق لاجدال فيه ، لكن الحراك الجاري في اروقة المحافظة اصابه شلل مفاجئ عقب ورود اخبار غير رسمية عن صفقة قد تؤدي الى مصادرة ارادة الناخبين ، يجري فيها تخلي التحالف المذكور عن موقع المحافظ ، مقابل مكاسب في العاصمة لصالح طرف سياسي ، ولم يظهر اي تعليق رسمي حول الموضوع من قبل أحزاب تحالف ديالى الوطني وهم : منظمة بدر ، التيار الصدري ، حزب الفضيلة ، حزب الدعوة الاسلامية ، كتلة المواطن ، تيار الاصلاح الوطني ومستقلون . الا ان موجة من الرفض تسري في مناطق المحافظة وفي اوساط العشائر والطلبة والمثقفين والناشطين رغم عدم وجود معلومات رسمية حول الموضوع ، وفي سياق هذه الموجة يسود اعتقاد في المحافظة بأن ما يحدث يشكل تحديا لارادة الاهالي وتطلعاتهم ، والمعروف ان محافظة ديالى ذات تركيبة اجتماعية متنوعة مذهبيا وعرقيا ، وقد عانت في عهد النظام السابق من القمع والاضطهاد وقدمت افواجا من الشهداء المؤمنين ، ورفدت المقاومة الجهادية بافواج من المجاهدين ، ولم تنل ما تستحق من التعويض بعد سقوط النظام السابق ، بل بالعكس تحولت بعض مناطقها بسبب الاهمال الى حواضن للارهابيين الذين حولوا المحافظة الى ساحة تصفيات طائفية دموية ، ولم تفلح هجمات الجيش الرسمي في تطهير المحافظة من الارهابيين ، بل جرى تطهيرها بجهود الأهالي والمسؤولين المحليين وتضحياتهم ودماء الشهداء ، ومازالت الذكرى الطيبة للشهيد حسين علوان التميمي تهز ضمائر اهالي ديالى فهو المسؤول الذي قدم دمه ثمنا لحقن دماء مواطنيه ، اضافة الى ثلة طيبة من الشهداء الذين واجهوا الطائفية وافشلوها وهزموها ، فقد حقق اهالي المحافظة منجزا أمنيا كبيرا بجهود ذاتية وبوجود قيادة امنية محلية مخلصة استثمرت قدرات الشباب بشكل جيد ، ويعتقدون ان منجزا كهذا سوف يفشل ويتلاشى اذا لم تحترم ارادة الجمهور والحقائق الرقمية في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة ، لذا قد تؤدي مصادرة موقع المحافظ الى انتكاسة امنية تعيد المحافظة الى المربع الاول ، وتحيي الحواضن الارهابية التي كانت مسؤولة عن القتل الجماعي وتخريب الزراعة والعمران والفتنة ونشر الرعب وتهجير الآلاف من سكان المحافظة على خلفية طائفية ، اذن اصبح حفظ الاستقرار والأمن في المحافظة يتطلب الاحتفاظ بالموقع التنفيذي الاول ، وهو استحقاق انتخابي طبيعي ليس فيه اي امتياز او تقدير خاص لجهة او مكون ، وبناء على هذه الاعتبارات تجري اتصالات في ديالى بين العشائر والمثقفين وبعض الاطراف السياسية الرافضة للصفقة من أجل اتخاذ موقف قوي ومؤثر ، ومن المتوقع ان تشهد المحافظة تظاهرات رافضة تشبه تلك التظاهرات التي خرجت عشية اعلان أحزاب سياسية نيتها المطالبة بتكوين اقليم في ديالى اواخر سنة 2011 والتي اسفرت عن الغاء المشروع وهروب المحافظ ، ويبدو ان صدمة كالتي تحصل في محافظة ديالى حاليا ستقلل من حماس الناخبين ورغبتهم في المشاركة في الانتخابات العامة المقبلة سنة 2014 كموقف احتجاجي على تجاوز ارادتهم وقرارهم وما يسببه من تهديد لاستقرار المحافظة . وتأتي هذه التحولات في وقت تنشط دوائر المحافظة في معالجة الفساد وتحاول فتح ملفات خطيرة قد تتناول مصير ومستقبل الكثير من المسؤولين الحاليين وتضعهم تحت طائلة القانون ، وقد تؤدي اي صفقة خاطئة في تشكيل الحكومة المحلية الجديدة الى فشل برنامج مكافحة الفساد وربما تؤدي ايضا الى انقاذ كثير من المفسدين من المحاسبة ، أو تؤدي الى تعريض حياة المسؤولين الذين يتولون هذه الملفات الى الخطر ، لذا يبدو من الحكمة الغاء مثل هذه الاتفاقات في محافظة لا تتحمل الكثير من التخندق السياسي ولا تتحمل تغييرا حادا في توازناتها السياسية التي تبلورت عبر تضحيات جسيمة ، اهالي ديالى لم يعاتبوا الدولة على ضعفها في حمايتهم من الارهاب والقتل والتهجير ، لكنهم يطلبون الحد الادنى وهو ان لا تتدخل الدولة سلبيا في تخريب ما حققوه في مواجهة الارهاب والاستقرار النسبي والتوازن السياسي الذي يهيء الاجواء لمكافحة الفساد وبدء التنمية الشاملة .
مقالات اخرى للكاتب