يعيب علي البعض أحيانا عدم الاصغاء الجيد للمتحدثين، انا لا انكر هذا لكني لا ارى هذا مثلبة حين يكون الكلام اجترارا لمواضيع سابقة سخيفة حفظتها، وحين يحيط المتحدث الاشخاص بهالة ويحاول ايهامي بانهم ابطال، وكانه يضيف لحديثه البهارات والتوابل بلا معيار، ومهما حاول هؤلاء فلن يغيروا من قناعاتي الراسخة، فانا اقرن البطولة بالإنجاز، وارى ان لا بطولة بلا انجاز حقيقي واضح المعالم، يصنع بصمة تاريخية، ولو حدثني أحد عن هؤلاء سأصغي له بكل جوارحي وامضي ساعات في الاستماع دون ادنى ملل، فنحن اليوم أحوج ما نكون لهؤلاء لينتشلونا مما نحن فيه، أبطال تخلد افعالهم صفحات التاريخ، مثل ابطال تتكرر اسماؤهم في الروايات، اكثر ما يذكرني بهؤلاء صفحة الفيس بوك لصديقي المخرج المسرحي الدكتور ماهر الكتيباني بما ينشر عليها من مسرحيات لأبطال حقيقيين. كلما أقلبها يحصل ربط لا ارادي بين ما ينشره عن مسرحيات أخرجها أو تناولها بالنقد والتحليل وبين المشهد السياسي المتناقض الذي نعيشه هذه الايام وارى فارقا كبيرا وفجوة هائلة بين المشهدين، فأبطاله تصنعهم افعالهم المدونة في سيناريوهات بنيتها الاساس الصراع بين ارادتي الخير والشر، وتنتهي بانتصار ارادة الخير، والبطل الذي لا يختلف عليه الجمهور، وهذا ما نفتقده في المشاهد السياسية فالأحداث أكثر غموضا وبعضها تجري خلف الكواليس، ولا يشاهد الجمهور الا جزءا يسيرا من الحقيقة، والاحداث تجري بعدة سيناريوهات يجهل الجمهور كتابها، والمضحك أن هذا لم يمنعهم من التصفيق لأبطال حقيقين ومزيفين ولمشاهد طويلة ومتناقضة، فالخاتمة غير واضحة المعالم، حتى باتت مفتوحة على كل الاحتمالات لان الابطال يتحركون باتجاهات مختلفة ومتقاطعة، وبرؤى كثيرة . بل وان بعضهم يديرون ظهورهم للجمهور، يحملون بأيديهم مشاعل تضيء المسرح، يتطاير شرارها ويصل الى مقاعد المتفرجين، يتحرك بعضهم بلا انضباط وعلى إيقاعات مختلفة، مشاهد بأعراف جديدة، والخروج عن النص مباح وبمساحات تفوق النص، لا مسار متفق عليه يفضي لخاتمة واضحة المعالم، والجمهور في حيرة من امره فالتذاكر باهظة الثمن دفع ثمنها المتفرجون وغير المتفرجين، المصفقون، الباكون، شيباً وشباباً، نساءً ورجالاً، ومن هم في الأرحام ومن سيولدون بعد أعوام، فالمشاهد تطول وتطول، والستارة لن تغلق، والاحداث تكررت، حفظها الجمهور، وتولد عندهم الجزع وخفت صوت المصفقين، وتنامت عند بعضهم رغبة في تصحيح أخطاء فصولها الاخيرة، وصنع نهاية ذات قيمة تتناسب واسعار التذاكر، تصايحوا بأصوات أيقظت النائمين على المقاعد بانتظار المجهول، وصار الجميع يحلمون بنهاية تستحق ثمن تذاكرهم وتصفيقهم الحار لفصولها الاولى تحت تخدير أضواء الدعاية والاعلان، الكثيرون صاروا اليوم متأكدين انهم قادرون على التأثير والاصلاح الحقيقي للنص لمشاهدة خاتمة لطالما انتظرها الكثيرون خاتمة تنتصر فيها ارادة الخير على الشر وبأبطال حقيقين .
مقالات اخرى للكاتب