الانتفاضة العراقية في آذار من عام 1991 لاشك تعد منعطف في التاريخ العراقي والعربي المعاصر , ومرحلة مهمة من تاريخ الثورات العراقية , لأنها على المستوى الزمني تُعد ثاني أكبر ثورة جماهيرية عراقية لنيل الحرية والحقوق الوطنية بعد ثورة العشرين , وعربياً تُعد أولى الثورات التي أنطلقت ضد الديكتاتوريات التي جاءت بفترات زمنية متقاربة , لكنها لم تحضى بالاهتمام الاعلامي العالمي والعربي , لعدم توفر تقنيات الاعلام والاتصال المتاحة حالياً . وما كان موجود من أعلام لم يكن أعلاماً نزيهاً ومنصفاً للحقائق بل كان كائن منافق يجسد تشويهات المرحلة السياسية آنذاك . هذا من الجانب الزمني للثورة وما يمثلة من سبق لكل الحركات التحررية التي خرجت من قوة الاحتقان الى براح التعبير عن الذات الجماهيرية برفض تلك الانظمة التي جلبت الجهل والفقر والحروب لكل فئات الشعب لفترات,, بعيدة حتى تناسلت الأجيال في أحظان الحروب . وامّا من الجانب النوعي , فهي قد تكون أحق الثورات العربية في التعظيم والأجلال لكونها أنطلقت ضد أكثر الحكومات العربية دموية وأستهتاراً بالانسان , حيث الكل يتفق بلا مواربة بأن حكم البعث الصدامي كان حكماً دموياً فاشياً وزًع عقدة النفسية على كل الاصعدة - فكان في العراق فقر وكان جهل وكانت حروب ومقابرجماعية وأحواض تيزاب وقتل على أثر رجعي . والآهات تطول . ومنع تام لكل حق جماهيري ومن أوضحها منع السفر على العراقيين لعقود . لكن الدول العربية التي ثارت ضد رؤوس القذر المتسلطة لم تعش ضروف العراقيين آنذاك . فكانت الثورة العراقية المعروفة بالانتفاضة الشعبانية _ من أشجع الحركات التحررية العربية مكتسبة حق هذا الأدعاء من شراسة السلطة البعثية وعقليتها الدموية التي عبّرت عن ساديتها ووحشيتها بحملات القتل الممنهج والشامل لمناطق أهوار الجنوب والأنفال ومجزرة حلبجة وغيرها وحفلات الاعدام التي كانت تقام في وضح النهار غير مبالية بحجبها عن الرأي العام العراقي والعالمي . وأما الحديث عن عدد ضحاياها فقد تجاوز كل من قد قتل من دول العالم العربي والعالمي من قبل السلطات لأكثر من نصف قرن . ففي حقبة زمنية لاتعدو لأن تكون تأريخاً أو مساحة زمنية تتسع كي تشمل تلك الاعداد التي قتلت ودفنت بقبر يعد مقبرة قياساً بالمفهوم الأنساني المتعارف . نجد أنه ليس هنالك مصداق أو مقاربة ذهنية بين شهداء الثورة العراقية عام 1991 وبين كل الثورات التي أنطلقت في محيط العالم العربي . فقد رحل عن العراق ربع مليون كائناً أنسانياً في بضع أسابيع من آذار ونيسان . فأي مقاربة يمكن لنا القيام بها أزاء هذا العدد الهائل من الشهداء مع أي الثورات العربية , رغم قداستها عندنا , لايعرف معنى الثورة ألاّ رجال مخيمات رفحاء في صحراء السعودية لأنهم أحق الناس بتقييم الثورات ومنح الاوسمة , وفي الأنتفاضة الشعبانية جزئية قد تكون الأوحد التي تملك هذا الحق دون سواها من كل الحركات وليس نحن بصدد التفاضل بين الأنتفاضة الشعبانية وأخواتها من ثورات أنطلقت في البحرين وتونس وليبيا ومصر . فلكل ثورة همومها وشهدائها لكن , للظلم المطبق الذي وقع على الأنتفاضة الشعبانية من خلال تسطيح لمفهومها الحركي وتشوية لاهدافها التحررية بالانعتاق من آسار الظلم البعثي بما يحمل الظلم من تسويف للحقوق وأهانة لمكانة الانسان في كل الشرائع والمذاهب الاجتماعية , تلك الجزئية التي تنفرد بها الأنتفاضة الشعبانية أنها حوصرت من قبل الانظمة العربية وتم قتلها ومن بعد ذالك حكموا على أحيائها أن يكونوا في مخيمات للاجئين لبضعة أعوام . فكل الثورات أنطلقت وتحركت مغيرة حقبة سياسية وبعدها حكم الثوار وأستراحوا من ضجيج الثورة ألاّ ثوار مخيمات رفحاء فقد سكنوا الخيام والسفاسف وبعد عقدين من الزمن على ثورتهم نجدهم ما زالوا في المنافي يستجدون بعض من الوفاء من البرلمان العراقي واي أهانة للدولة أن يستجديها ثوارها وصانعي الكرامة حقهم ؟ فلم نجد تفسيراً موضوعياً لسلوك البرلمان العراقي وتجاهلة المتعمد والحرص على الاستمرار في أهانة أجيال أحيت الكرامة العراقية وجعلت من شعارات ورسوم البعث مواطن للاقدام . وكل الحكومات العربية التي جاءت بعد الثورة في الدول المشابهه لنا شعرت بالوفاء والمسؤولية حيال ثوارها ألاّ الحكومات العراقية قد تنكرت بصفاقة و لم تتمكن كل دعوات الثوّار أن تنتزع بقايا الحياء من نفوس لاتملك البقايا منة .
مقالات اخرى للكاتب