في كتاب ( الإمتاع والمؤانسة ) يحصي لنا أبو حيان التوحيدي مغنيّات بغداد أيام العباسيّين بأربعمائة وستين جارية .. وكان زرياب البغدادي أوّل سفير للأغنية العربية إلى بلاد الأندلس . لم يكتف بتعليم أوربا الموسيقى والأنغام ، إنما كان يعلّم أهلها آداب الأكل بالشوكة والسكين ، وكيف تضع النساء الجميلات ، المناديل المعطرة الملوّنة ، المصبوغة بأحمر الشفاه في جيوبهن .
وعلى أيّام أبي نؤاس وباقي الشعراء من ( الفسّاق الفجّار ) ، كانت بغداد متاحة للأديان والثقافات والناس جميعاً .
والأديب الانكليزي سومرست موم ، والأديب الايطالي ألبرتو مورافيا ، والأديب الفرنسي أندريه جيد ، والأديب الأميركي وليام فوكنر ، لم يقرؤوا من الأدب العربي صفحة واحدة غير كتاب ( ألف ليلة وليلة ) .
وإذا كان عكَد النصارى أشهر أحياء بغداد التي سكنها المسيحيون ، فمن الملفت للنظر أن أشهر منارة إسلامية في تاريخ بغداد ، منارة جامع الخلفاء ، لا زالت شامخة في هذا المكان أيضاً .
وفي البتاوين ببغداد ، أعوام الأربعينات ، كان هناك مسجد ، بالقرب منه حسينية ، وبجانبهما كنيسة . وكان الناس في هذا الحي يشعرون أنهم عائلة عراقية واحدة .
وكحافظ وشوقي في مصر . كان النهران الخالدان معروف الرصافي ومحمد مهدي الجواهري يشكلان ثنائية السنّة والشيعة في العراق من المؤسف أنها لم تتكرر .
وكانوا يقولون : إذا مرضت بغداد ، سعلت دمشق ، وأصيبت القاهرة بالحمّى ، ودعت لها بالشفاء باقي العواصم العربيّة ، فكلنا في الهمّ شرق .
فأين بغداد ، التي قرأناها وعشقناها في الكتب ؟!.
مقالات اخرى للكاتب