من المتعارف عليه أن منطقة الشرق الأوسط ، عبارة عن رمال متحركة في ما يتعلق بأوضاعها وتحالفاتها ، فمستدمرة إسرائيل على سبيل المثال تحالفت منذ نشأتها على هيئة عصابات مسلحة إرهابية أبرزها شتيرن والهاغاناة ، مع إمبراطورية بريطانيا العظمى ، التي لم تغب عنها الشمس آنذاك ، وبعد أن قويت شوكة تلك العصابات الإرهابية ، وقامت بالتشبيك مع قوى إقليمية بعينها ، طردت القوات البريطانية من فلسطين ، وصنفتها على انها قوات إحتلال يجب إخراجها من فلسطين ، وشنت عليها إرهابا فظيعا تمثل بقطع رؤوس الجنود البريطانيين وتعليقهم على الأشجار وأعمدة الكهرباء في الشوارع والطرقات العامة ، ونسفت المعسكرات البريطانية بعد نهبها ، إضافة إلى نسف فندق الملك داوود الذي كان يؤوي القيادة البريطانية ، كل ذلك بطبيعة الحال حقدا على بريطانيا التي إستثنت "شرق الأردن " من وعد بلفور.
بعد قيام مستدمرة إسرائيل بمباركة وموافقة إقليمية ، دخلت هذه المستدمرة الإرهابية في تحالف جديد مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تضم 51 ولاية أمريكية ، وبات معروفا أن هذه المستدمرة باتت هي الولاية رقم 52 في الإتحاد الفيدرالي الأمريكي ، بسبب عدم إلتفات الشعب الأمريكي لرسالة رئيسه الأسبق بنجامين روزفلت ، الذي حذر فيها من أن الشعب الأمريكي سيتحول إلى عبيد لليهود في حال إعطاء اليهود كل ما يطلبون وغض النظر عن ممارساتهم الإفسادية.
تبلور هذا التحالف إلى حالة تبني كامل لهذه المستدمرة من قبل أمريكا التي وقعت بالكامل تحت السيطرة الصهيوينة بفعل اللوبيات اليهو – صهيوينية ، وفي مقدمتها "الإيباك" و"ميمري" ، وأصبحت هذه المستدمرة ترتكب الإرهاب بإسم امريكا ، ولم نجد المسؤولين الأمريكيين يشعرون بالحرج من الإنتماء لمستدمرة إسرائيل والتفاني لتحقيق مصالحها وتفضيل ذلك على المصالح الأمريكية الوطنية ، لأنهم أدركوا أن سر المجد في بلادهم أصبح يكمن في مدى التهافت والإرتماء في احضاء مستدمرة إسرائيل ، وقد مثلت اليهو- صهيونية السوسة الخطيرة التي نخرت العظم الأمريكي ، وخاصة بعد توريطها في ملاحم إرهابية أربع بدأ ت بجريمة إنهيار البرجين وتوابعها في 11 سبتمبر 2001 ، وغزو وإحتلال كل من أفغانستان والعراق ، وتوريط أمريكا في حرب وهمية أطلق عليها الحرب ضد الإرهاب ، ما شكل نزفا ماديا ومعنويا لأمريكا ، التي أصبحت دولة نامية لولا الدعم الصيني لها ، الناجم عن قناعة الصين بعدم قدرتها على حكم العالم بمفردها ، ولهذا فإنها تستمر في إقراض أمريكا وعدم المطالبة بديونها ، لأنها تعلم علم اليقين أنها لو فعلت ذلك ، لتسببت في إنهيار أمريكا.
هذه الأيام وتحديدا منذ أن قام قيصر روسيا الإمبراطور بوتين بالتدخل العسكري المسلح في سوريا في شهر أيلول /سبتمبر الماضي ، ظهر أمامنا تحالف خطير قوي من نوع آخر ، وهو أن مستدمرة إسرائيل تحولت من القوى الإستدمارية الغربية المتمثلة في بريطانيا وأمريكا ، إلى القوة الإستدمارية الشرقية الجديدة التي كانت محسوبة على قوى التحرر العالمية ، وكانت حليفا للشعوب المقهورة ، وقد تحولت بدعمها اللامشروع لنظام بشار"..." ، ضد الشعب السوري الذي توزع بين الموت إعتقالا في معسكرات بشار"..." أو الموت قتلا وحرقا بفعل البراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات بشار التي يقودها طيارون مرتزقة من صربيا وغيرها ، أو بين الموت خنقا بالغاز أو الموت حرقا بقابل الطائرات الروسية ، أو التشرد والإذلال في معسكرات ومخيمات اللجوء والشتات في دول الجوار أو أوروبا.
بعد هذا التحالف الجديد بين روسيا ومستدمرة إسرائيل ، تحول إتجاه الصراع إلى مسار آخر ، وتأكد لنا ما كان يتداول ومفاده أن أمريكا ستغادر الشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا ، لمواجهة الصين وروسيا وماليزيا والهند ، وهذا ما يفسر النزاعات التي بدأ ت تبرز في ذلك الإقليم بين دوله ، من أجل تبرير إنتقال أمريكا إلى هناك ، وليس بعيدا أن نسمع يوما أن الطائرات الأمريكية قد غادرت وإلى الأبد قاعدة أنجرليك التركية الإستراتيجة ، ولا أستبعد أن ذلك سيظهر كإحدى تداعيات الإنقلاب التركي الفاشل مؤخرا.
لم يعد سرا التشبيك بين مستدمرة إسرائيل وروسيا ، وقد كان التدخل الروسي المسلح في سوريا بموافقة أمريكية ومباركة إسرائيلية ، ظهرت بوادر ذلك في شقه الإسرائيلي على وجه الخصوص ، أثناء زيارة نتنياهو إلى موسكو قبل التدخل الروسي بيوم واحد ، وكان رئيس وزراء مستدمرة إسرائيل شفافا في طرحه وهو أن مصالح إسرائيل ستكون في الحفظ والصون ، والغريب في الأمر أنه صافح بوتين وهو جالس وهذه قمة العنجهية والتعنت ، أن يصافح ضيف مضيفه وهو في بيته وهو جالس ، وهذه رسالة واضحة تدل على أجندة الضيف .
لم يتوقف الأمر على ذلك فقط ، بل تعداه إلى التنسيفق العسكري المشترك على أرض الواقع بين روسيا وإسرائيل بحجة منع الإشتباك المسلح بين طائرات روسيا ومستدمرة غسرائيل .
بقي القول أن ما يجري بين روسيا وإسرائيل ليس تنسيقا طارئا ، بل هو تشابك مصالح إرتقى إلى حلف إستراتيجي ولا عزاء للعرب.
مقالات اخرى للكاتب