اليأس والإحباط والتذمر والتشاؤم واللامبالاة والتمرد كلها صفات لاتنفعنا اليوم اذا أردنا اصلاح البلاد والعباد فعلا.. فالطموحات والأماني والأهداف لاتتحقق حينما نقفز على الواقع أو نجلد الذات من خلال تقريع الآخر والمكوث تحت وطأة العدم والفراغ ودفن الرؤوس في الرمال للعيش في واقع مظلم هربا من واقع سيئ .. والحق أننا مارسنا كثيرا من النقد السلبي وعدم الرضا سواء ماصدر من كاتب هذا المقال في مقالات سابقة أو من كتاب آخرين وحتى زعماء ورموز وبرلمانيين ومحللين وسياسيين وأكاديميين وإعلاميين مارسوا بقصد أو لحسن نية ومن دون توقف بث القنوط والهزيمة في النفوس حتى أضحى بلدنا اليوم صورة قاتمة سوداء لاتسر الناظرين .. صحيح أن مايمر به بلدنا من ظروف مأساوية وانتكاسات لايوازيه بلد آخر لكن في المقابل لدينا قدرات هائلة وعظيمة في كل المجالات يمكن لها أن تحول هذا الواقع المؤلم الى واقع مغاير تماما فضلا عن أن المناعة التي اكتسبناها مما عشناه من أحزان وآلام هي في الحقيقة ميزة إيجابية وخطوة مهمة في صنع حياة جديدة خالية من كل ماعانيناه سابقا..في هذا المقال وفي مقالات أخرى لاحقة سنمارس دورا جديدا في بث روح التفاول ورفع المعنويات والانطلاق من الواقع لتصحيح المسارات اعتمادا على مايمتلكه بلدنا من ثروات وخيرات في كل المجالات ومن دون غض البصر والقفز على مانواجهه من تحديات وهنا أيضا أدعو كل العراقيين وخاصة من الذين يؤثرون في الرأي العام من كل الطبقات والاتجاهات أن يكفوا عن الخطابات القاتلة للآمال والمتغلغلة في التشاؤم واللوم والتقريع فنحن جميعا _وإن انطلقنا من حبنا للوطن_ لايمكن أن نسمح لأنفسنا أن نكون طرفا في الهزيمة التي نغذيها داخل النفوس من خلال إنشاء كتل كونكريتية حول الحلول الواقعية والتي بها لا بغيرها يمكن تصحيح الأخطاء وخلق مسارات جديدة للانطلاق التقدمي..لذلك علينا أن ننطلق من الإيجابيات الموجودة على أرض الواقع فهي الأساس لخلق حالة معنوية عالية معاكسة لحالة النكوص التي تضخمت جدا من خلال ذكرنا المستمر لها والدوران في حلقاتها المفرغة والمعتمة مع التأكيد في أننا بالمقابل لانريد أن نتخيل الإيجابيات على أنها هي التي تحكم حياتنا بالمطلق فرسم صورة جميلة وهمية هو خطأ آخر سرعان مايتلاشى أثره .. أنا اعتقد ان أهم تحد اليوم تواجهه الأمة العراقية هو التحدي الأمني والإرهاب والخطر الأكبر هو داعش وأفعاله الإجرامية الخسيسة فضلا عما نواجهه من انفلات بعض التجمعات العسكرية(( المليشيات والمقاومة)) يضاف الى ذلك بعض الرموز السياسية التي لاتنفك عن استغلال كل شائعة وشاردة وتفصيل لغايات سياسية معروفة.. فإذا رسمنا خطا بيانيا للمنجز على الصعيد الأمني بمجمله وجدناه خطا صاعدا وفيه من الانتصارات الكبيرة والتضحيات العظيمة والتفاني والإخلاص وقيم الشجاعة والنخوة ماتفتخر به الأمم مدى حياتها فكيف ونحن
نقاتل خطرا عالميا وعلى أرضنا نيابة عن العالم أجمعه.. في أمم أخرى هذه الانتصارات والقصص البطولية هي معين ثر لرفع المعنويات ورص الصفوف وشحذ الهمة والعزيمة والتخلي عن الخلافات للوقوف بشموخ وفخر أمام العالم كله.. وبلا شك فإن أهل القرار والتأثير يعون هذه الأفكار ولعلهم ينطلقون منها في خطاباتهم كمثال على ذلك قول رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة للقيادات الأمنية(( ان الارهاب الذي يتعرض لضربات ساحقة من قبل ابطالنا في ساحات المعركة يحاول احداث اي خرق للتغطية على هزائمه وهو امر يجب عدم السماح به لان امن المواطن يمثل الهدف الاساس لنا ولعمل رجال الامن)) فهو يدل على فهم قيمة الانتصار بما يوازي فهم واضح للخطر المعاكس ووعي للهدف المنشود.. انتصاراتنا الكبيرة على داعش يجب أن لاتمر مرور الكرام وينظر إليها على أنها تحصيل حاصل بل يجب أن تكون المنطلق الحقيقي لأي إصلاح ففي كل الأحوال ماقدمناه من تضحيات في هذه المعركة وانتصارنا فيها يوازي كل مانعانيه من مأساة شرط أن يكون هذا الوعي منطلقا للتصحيح وليس للتغليف.. وهنا يمكن أن نضع بعض الأسس التي يمكن أن نبني عليها أبراجا وبنايات شاهقة ومنجزات راقية..
أولا .. لابد أن نؤمن ونجسد المقولة الأساس وهي " الأمن خط أحمر" وأن نتعامل مع هذا المفهوم بحزم شديد لامجال للتراخي فيه أبدا فعلى قدر حجم التحديات تكون العزائم والهمم.. وسنجد أن الإيمان بهذه المقولة وتطبيقها يتطلب منا الكثير الكثير من ضبط السلوكيات والقرارات والتغييرات والتي تختفي فيها العلاقات الشخصية والمصالح الضيقة والمناكفات والسياسات المبنية على رأي مقرب أو نزوة فردية.. والخط الأحمر هنا يسري على كل الأمة وليس هناك استثناءات أبدا من القائد العام الى آخر مواطن فيها ويشمل أيضا كل ضيف على أرضها سواء أكان سفيرا أم زائرا .. وهو يسري أيضا على كل الخطوط الحمراء الأخرى إذا تقاطعت معه فلا خط أحمر آخر يعلو عليه.. فلذلك لايجوز أبدا أن تبقى التشكيلة الحكومية بدون وزير دفاع ووزير داخلية فهذا خط أحمر لاينبغي للقائد العام ورئيس الوزراء أن يتراخى عنه مهما كانت العراقيل والصعوبات وعليه أن يكون حازما وشفافا سواء مع القوى السياسية أو الشعب..فإذا تعاملنا بحزم مع هذا القرار وغيره سيفرض الأمن ورجاله يوما بعد يوم احترامهم على الجميع لأنهم أهل لذلك وليس لأن السلاح والسلطة بيدهم.. فمثلما نعاقب الشخص المجرم بأشد العقوبات فيجب أن نعاقب المنتسب الأمني بعقوبات أشد للجريمة ذاتها لأن الأمن مسؤوليته الأولى .. ..
ثانيا..في الوقت نفسه لابد من إعلاء صور البطولة التي تتحقق على أرض المعركة والتي هي اليوم العراق كله من شماله الى جنوبه وشرقه الى غربه. ويجب على المؤسسة الأمنية والمؤسسة السياسية والمؤسسات الاعلامية ومنظمات المجتمع كافة ضخ هذه التضحيات والمواقف سواء أكانت فردية أو جماعية ومن دون أن نفقدها هالتها وهيبتها وتأثيرها في النفوس ولذلك لابد من اختيار قصص البطولة والإيثار الحقيقية وإخراجها الى المجتمع وبثها فيه بالطريقة المثلى.. الدولة في زمن صدام ضخت معنويات كبيرة كانت كفيلة لغض البصر عن مآس أكبر وعلى الرغم من وهمية الانتصارات التي ادعاها ذلك النظام لكن قوة الإخراج أوهمت كثيرا من كان في الداخل والخارج ان العراق بلد منتصر.. نحن اليوم لدينا انتصارات حقيقية وقصص بطولية لكننا لم نحسن استثمارها أبدا وبقيت متناثرة هنا وهناك كحبات لؤلؤ مكنون لو أحسنا لظمها لأبهرنا العالم كله بقوتنا وشجاعتنا.. وفي هذا الباب هناك مقترحات كثيرة لتوجيه نحو وجهته المفروضة.
ثالثا.. لايجوز أن تتقاطع أي مؤسسة أمنية مع أي مؤسسة أمنية أخرى وهنا لابد من وضع الصلاحيات الواضحة والفارقة فتداخلها غير المنظم يؤدي بالضرورة الى تقاطعها وان كنا في هذا المجال نميل الى مجلس أعلى للأمن في البلاد ينضم فيه الخبراء الأمنيين والمحللين الاستراتيجيين فضلا عن المؤسسات الأمنية كافة وفيه توضع الخطط الاستراتيجية الأمنية للبلاد ومايتعلق بها من إعلام وبيانات وحركات واستخبارات وتوجيهات وواجبات لتكون البلاد كلها ضمن خطة أمنية واحدة مترابطة ومتسقة..
رابعا.. علينا أن ننظر بجدية الى المؤسسات الأمنية التي يكون ارتباطها ضعيفا بهيكلية الدولة والتي نشأت في ظروف خاصة وتحديات وقتية ومثل ذلك ( البيشمركة ) و( الحشد الشعبي ) وبصورة أكثر انفلاتا ( الفصائل المسلحة ) على اختلاف انتماءاتها.. ففي هذا الجانب لابد من قرارات حازمة واضحة في أن يكون السلاح بيد الدولة دائما ولاتعطى التراخيص الا للأفراد وليس للمجموعات وأن تمارس عملها في ظرف خاص وفي مكان محدد وضمن أطر صارمة فلا أمن بيد مجموعات مسلحة مهما كانت انتماءاتها بدون ترخيص حازم وصارم يسحب مع أول سوء استخدام.. إن بقاء السلطة الأمنية للدولة والحكومة هو السبب الرئيس لاستتباب الأمن واحترام المؤسسة الأمنية..
خامسا..ليس من سبيل الصدف أن نحقق الانتصارات على أقذر عدو شرير عرفه التاريخ فهذا أمر لايحدث في كل وقت وفي كل أمة إلا إذا اجتمعت لديها مقومات الانتصار ولكن الانتصار في بعض الأحيان يفتقر الى الوسائل التي تقلل من التضحيات وكلما كانت التضحيات أقل كان الانتصار عظيما وهناك عوامل كثيرة تقلل الخسائر أهمها الخطط المبنية بكفاءة والسلاح المتطور واستخدام التكنلوجيا الحديثة.. ومن أهم التحديات الأمنية هي هذه التفجيرات بين الناس والتي تستنزف دماءنا ومعنوياتنا وثرواتنا فهي مكابح لكل تقدم وتطور وعلينا جميعا أن نقف بمهنية وعلمية ولانكرر أخطاءنا دوما فذلك يضر بسمعة القيادة والدولة ويؤدي الى فقدان الثقة وهو أمر اذا حدث في مجتمع ما فإنه يكون عرضة للانكسار والاستسلام وأهم عوامل الثقة هو عدم استعمال الوسائل القديمة التي أثبتت عدم جدواها في مواجهة هذه التحديات وأكبر مثال هو التمسك بالسيطرات الأمنية التقليدية في داخل المدن وخارجها ويمكن لنا أن نفرد مقالا منفصلا عنها.. القصد أننا يجب أن نستفيد من تجارب الدول المتقدمة وأن لانبخل أبدا في شراء التكنلوجيا الحديثة فمعركتنا اليوم معركة مصيرية لن تنفعنا الأموال اذا خسرناها..
سادسا.. التعامل مع الصفقات الفاسدة بحزم ووضوح فالفساد في هذه المؤسسات يزيد من تضحياتنا ودماء المعركة وهو فساد مضاعف يجب أن تكون عقوبته مضاعفة.. وفي الوقت نفسه يجب على القادة والآمرين والمسؤولين الأمنيين أن يقدموا منذ أول يوم لتسنم مهامهم كشفهم المالي فمن أخطر الأمور أن يثرى هؤلاء على حساب أمننا ودماء أبنائنا.
سابعا.. العمل المستمر على تعميق التعاون المخابراتي والأمني وتوقيع الاتفاقيات مع كل الدول التي تحارب الارهاب وبالخصوص الدول الجارة والصديقة والتأكيد على جدية هذه الاتفاقات وتوسيعها والنظر اليها بوصف الحرب التي يخوضها العراق هي حرب كبيرة سيعم ضررها على الجميع كما اتضح أخيرا.. فالاسراع والحث على توقيع اتفاقيات التعاون مع كل جيراننا والأصدقاء هو نصر آخر وخطوة أخرى في الإصلاح..
انتصاراتنا الكبيرة مصدر قوة وفخر وتلك المقترحات مما ذكرته في مقدمة المقال والنقاط السبعة وغيرها مما يعرفه الخبراء والمختصون كفيلة بوضع الأسس لمجتمع واثق الخطى ذي معنويات عالية يصنع الأمل و ويعشق العمل بعيدا عن التذمر والتمرد واللامبالاة وفقدان الثقة واليأس لصنع غد جديد مشرق..
المقال المقبل.. الأحزاب والإصلاح
مقالات اخرى للكاتب