مدهش هذا الوطن، نادراً ما تجد فيه هذه الأيام مسؤولا أو سياسياً لا يسرق، أو يرتشي، بل ونادراً ما تجد فيه حزباً أو تنظيماً تواضع ودخل العملية السياسية من أجل الخدمة العامة، حيث تطغى المنفعة الشخصية فوق كل الخطب والشعارات.. فهناك اليوم وفرة هائلة من اللصوص والانتهازيين ومشعلي الفتن.
قبل أيام قرأت خبراً يقول إن لجنة مكافحة الفساد في الصين تحقق مع مسؤول كبير أقام حفل زواج " باذخ ".. الرجل الذي وجد نفسه متهماً بخيانة ثقة الشعب، قال لصحيفة بكين نيوز، أنه لم يتمكن من إيقاف أسرة العروس من الإنفاق على الحفل ببذخ،مشيرا إلى أن أسرة العروس من رجال الأعمال الأثرياء، وتخيلت مع نفسي، ماذا لو وجد احد مسؤولينا الكبار نفسه يواجه تهمة الصرف على حفل زفاف احد أبنائه.. من المؤكد ان سراقنا ومرتشينا لن يعدموا الحيل للالتفاف على مثل هكذا قرارات، واتهام من يقفون وراء لجان النزاهة ، بأنهم من رجال النظام السابق، وينفذون أجندة "قطرية وسعودية" وممولون من تركيا.
ظل الغرب يعامل الصين على أنها بلاد متخلفة غير قادرة على التطور. فيما اليوم نجد ان النسبة الأكبر من المتفوقين في جامعات أميركا من تلك البلاد "المتخلفة" التي كان يتصور الغرب أنها ستغرق في الأفيون، ففاجأته بأن تحولت إلى اقتصادات مزدهرة، فيما لانزال نحن نياما حيث نجوع ونرفع رايات الطائفية والانتهازية.
ثمة أحداث أكثر أهمية من وثائق ويكليكس لا نراها في عناوين الصحف، لأنها أحداث غير مثيرة للبعض منا، ومن هذه الأحداث، ان الصين أصبحت، القوة الاقتصادية الثانية في العالم بعد ان فقدت اليابان الموقع الذي احتلته لسنوات طوال. قبل ثلاثة عقود كانت الصين مجرد شعب يحرث الحقول بحثا عن الأرز. والآن تخفق المشاريع الاقتصادية الكبرى في أوروبا وأميركا وتزدهر في شنغهاي وبكين...لا يريد البعض ان يعرف أو يفهم أن الصين تحولت خلال العقود الأخيرة من بيوت بسيطة إلى مدن تضاهي نيويورك وباريس،ومن دولة تسبح في شوارعها الدراجات الهوائية، إلى بلد يسعى لشراء كبرى الشركات العالمية.إنها حكمة العصر الحديث. لقد بدأ العصر الصيني في البزوغ، في الوقت الذي يتراجع فيه العصر الغربي، سيذهل القارئ حين يعرف أن 70% من أشهر الماركات العالمية تصنع في مدن نائية في الصين.
الذين كانوا قبل عشر سنوات يهاجمون العولمة باعتبارها هيمنة أميركية يكتشفون اليوم أنها ولدت العملاق الآسيوي، وأن الصين تحمي الدولار من السقوط، وأن العولمة لم تبدأ بالسيطرة الأميركية، بل عندما ذهب رجل صيني إلى نيويورك ليشتري حقوق تصنيع جنرال الكترك.
عزّز دنغ كسياو بنغ باني الصين الحديثة، الدعوات إلى فكرة ماويّة مشهورة، وهي " ابحث عن الحقيقة من خلال الوقائع"، في إشارة مقصودة منه إلى أنه لا توجد خريطة طريق جاهزة للإصلاح والتنمية، وأنه "يتعين على الشعب أن يعبر النهر بنفسه ليتحسس بأقدامه الحصى الموجود في قاع النهر". وأشهر ما يُذكر عنه استشهاده بمثل صيني قديم، وهو "لون القط لا يهم، سواء أكان أبيض أم أسود، طالما أنه يصطاد الفئران."
هل يفكر ساستنا بقراءة تجربة الصين، ويسألون انفسهم ما حجم مسافة التقدم التي قطعتها البلاد في سنوات حكمهم؟ ما هي نسب النمو والتطوّر والتقدم ومستويات الدخل؟. ما هي المشاريع التي اعتمدتها حكومة المالكي لتنمية قدرات هذا البلد النفطي؟ والأهم ما مقدار الاستقرار الذي تحقق؟
كم هي بسيطة هموم العراقيين أن يعرفوا مثلا، لماذا الموازنة 120 مليار دولار، وليس في العراق كهرباء ولا ماء صالح للشرب، ولا ضمان اجتماعي وصحي ولا شوارع نظيفة، اليوم تبحث الناس عن دولة غير محكومة بالفساد، المواطن اليوم ينتحب ويكتئب حزنا على ضياع الحلم بأيدي مجموعة من السياسيين محدودي الأفق ومتواضعي القدرة.. والاخطر سراق.