ظهرت العديد من الأصوات خلال الاشهر الماضية مطالبةً بتقليص عدد أعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية والنواحي، وهي مطالبات مشروعة تمخضت عنها تضمينها في المشروع الأخير لتعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات رقم (36) لسنة 2008 المعدل ، الذي يقضي بتقليص أعضاء مجالس المحافظات الى النصف تقريبا، وإلغاء مجالس الاقضية والنواحي.
ولعل تقليص عدد الأعضاء يكتسب أهمية كبيرة نظرا لما أصاب مجالس المحافظات من ترهل كبير في خيكلها الاداري ووضعها المالي، وهي لا حاجة حقيقية لها في تسيير أمورها ، والحال نفسهينطبق على عدد أعضاء مجالس الاقضيةوالنواحي التي لم تجر لها انتخابات منذ صدور القانون وقبله. علما ان تحديد عدد الأعضاء ورد في المواد(24–25-26) من القانون رقم (36) . إنَّ تقليص عدد أعضاء مجالس المحافظات لا يحتاج الى تعديل دستوري ، وذلك لأن الدستور لم يتطرق إليه ، وإنّما تركه للقانون. ولدى تعديل المادة المتعلقة بعدد الاعضاء في قانون انتخابات مجالس المحافظات لابد أن يلتفت المشرع الى نقطة مهمة، وهي تعديل نص المادة (24) من خلال عدم الاشارة الى تحديد عدد أعضاء مجلس المحافظة بالاعتماد على أحدث إحصائية معتمدة وفقاً للبطاقة التموينية ،إذ نصت المادة على ما يلي:"يتكون مجلس المحافظة من (25) خمسة وعشرون مقعدا يضاف إليهم مقعد واحد لكل (200000) مائتي ألف نسمة لما زاد عن (500000) خمسمائة ألف نسمة حسب أحدث احصائية معتمدة وفقاً للبطاقة التموينية والتي على أساسها تم وضع سجل الناخبين".
وهنا قصد المشرع إعتماد أحدث احصائية مستقاة من قاعدة بيانات البطاقة التموينية لدى وزارة التجارة، وحيث أن النص يُعَّدْ صعب التطبيق لأن مفوضية الانتخابات من المستحيل أن تتعامل من الصفر مع قاعدة بيانات حديثة قبل الانتخابات بأشهر معدودة من أجل إعداد سجل ناخبين إبتدائي، إذ أن ذلك يحتاج الى مدة بين (8-12 شهراً)، من ضمنها مدة تحديث السجل في مراكز التسجيل ومن ثم تصفية وتنقية البيانات مرةً أخرى ، والأخطر من ذلك فإن إعتماد أحدث إحصائية لدى وزارة التجارة يعني إلغاء السجل الحالي المحَّدث منذ عام 2008، أي قبيل إنتخابات مجالس المحافظات في ك2/ يناير 2009 ، وإلغاء عمليات التسجيل التي تبعتها، بما فيها عمليات التسجيل البايومتري المعتمدة على قاعدة بيانات سجل الناخبين المشار اليه أعلاه. جميع هذه الاجراءات سوف تنسف كافة الجهود السابقة في تحديث السجل، فضلاً عن الجهود الفنية والنفقات المادية الباهظة التي صُرِفَت من أجل إعداده وتصفيته من بيانات المتوفين والمكررين وغير العراقيين ، الذين كانت اسمائهم مدرجة في قاعدة البطاقة التموينية لغرض الانتفاع بمواد التموين منذ اعتماد هذا النظام في العراق في تسعينيات القرن الماضي.
أما فيما يتعلق بتقليص عدد أعضاء مجلس النواب ، فلا يمكن اجراء ذلك إلا بتعديل دستوري ،إذ نصت المادة (49/أولاً) من الدستور على :
" يتكون مجلس النواب من عدد من الاعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله، يتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر، ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه".وإذا ما رجعنا الى الآليات التي أُتبعت في تحديد عدد النواب منذ أول انتخابات حديثة جرت في العراق ، نجد أن أول قانون انتخابات لمجلس النواب في العراق صدر عام 1924 كان قد إعتمد مبدأ الانتخاب على درجتين ، أي الانتخاب غير المباشر، ونص في المادة (6) على أن : " يكون لكل لواء نائب واحد عن كل عشرين ألفا من عدد ذكوره وإذا كان عدد الذكور في اللواء لا يقل عن العشرة آلاف وأقل من العشرين ألفا يكون له نائب واحد. واذا بلغ العدد الثلاثين ألفا فنائبان وإذا بلغ الخمسين ألفا فثلاثة ، واذا بلغ السبعين ألفا فأربعة وهلم جرا ".
أما أول دستور في العراق الحديث لسنة 1925 والمسمى بــ "القانون الأساسي العراقي" ، فقد نص في المادة (36) منه على أن : " يتألف مجلس النواب بالانتخاب بنسبة نائب واحد عن كل عشرين ألف نسمة من الذكور".
وإذا ما إنتقلنا الى أحد الامثلة الحديثة لإحدى دول العالم وهو الأقرب الى واقعنا الحالي ، نجد أن دولة قيرقيزستان والتي ورثت عن الاتحاد السوفياتي برلمانا يتألف من غرفة (مجلس) واحدة تضم 350 عضوا ، تم انتخابه في شباط 1990 من خلال نظام الجولتين في دوائر انتخابية احادية التمثيل ، لم يستطع تقليص عدد أعضاءه إلا بتعديلات دستورية متعددة بدءا من استفتاء عام جرى سنة 1994 ،ولكن الرئيس استغله في تقوية سلطاته على حسابالبرلمان باستبدال الغرفة الواحدة ببرلمان جديد من مجلسين (الجمعية التشريعية وتتألف من60 عضوا)و(جمعية ممثلي الشعب من 45 عضوا). وفي انتخابات العامين 1995 و2000 تم انتخاب كافة اعضاء جمعية ممثلي الشعب و45 عضوا من اعضاء الجمعية التشريعية من خلال نظام الجولتين في 45 دائرة انتخابية احادية التمثيل.وقد أسهمت هذه التعديلات في خفض عدد المقاعد البرلمانية من( 350 الى 105 )، والذي قدم على انه اجراء يهدف الى التقليل من التكاليف ولكنه عمل على تمكين الرئيس من إحكام سيطرته على البرلمان خاصة في ظل مضاعفة حجم الدوائر الانتخابية أحادية التمثيل الناتج عن ذلك والذي حَدَّ بشكلٍ كبير من امكانيات الاحزابالصغيرة في الحصول على تمثيل لها في السلطة التشريعية ،ولم يساعد إنتخاب بضعة مقاعد برلمانية فقط من خلال نظام القائمة النسبية على تعويض الاحزاب السياسية الصغيرة عن الاضرار التي لحقت بها جراء تقليل حجم البرلمان.(كتاب أشكال النظم الانتخابية-آيديا) خلاصة الحديث ، يفضي الى أن تقليص عدد أعضاء مجلس النواب لا يمكن إجراءه إلا بتعديل دستوري ، بغض النظر عن الآراء الداعية الى إجراءه وفقا لعدد الناخبين ، أو حسب عدد المصوتين!!، أو باعتماد عدد السكان وفقا للتعداد السكاني الحقيقي وليس بحسب تقديرات وزارة التخطيط ، ذلك أن الجهاز المركزي للاحصاء وبحسب قانون التعداد العام للسكان الصادر عام 2008 ، كان قد أجرى عمليات الحصر والترقيم عام 2009 ، ولا يعقل اجراء احصاء سكاني قبل كل انتخابات من اجل الحصول على احصائيات لتحديد نسبة الاعضاء في المجالس المنتخبة.
وفي ذات الوقت ، أرى أن التعديل الدستوري سيكون على الارجح صعبا في هذه المرحلة ، لأنه سوف يحتاج الى عملية تصويت واسعة بمثابة عملية انتخابية مكتملة الجوانب ، تتطلب وقتا وجهودا وأموالا ووضعا امنيا مستقرا في كافة المحافظات دون استثناء، وهذه المتطلبات تبدو جميعها صعبة التحقيق في الوقت الحاضر، هذا فضلا عن إحتمالية كبيرة لظهور خلافات سياسية قد تعيق هذا المشروع لأن العديد من الكتل السياسية سوف تطلب ادخال تعديلات أخرى على مواد الدستور – طالما سيفُتحَ باب التصويت على التعديل الدستوري - وهو ربما لا تدعمه كتلٌ أخرى. لذا فان ازمة تقليص عدد النواب ستبقى ماثلة طالما بقي الوضع السياسي لايسمح بتعديل دستوري في القريب العاجل.
مقالات اخرى للكاتب