بدا وزير خارجية تركيا داود اوغلو في زيارته الاخيرة الى بغذاد وكأنه يطبق القصة المعروفة بـ " وليمة الثلعب لـ اللّقلق" فقد وضع اوغلو وليمته على صخرة صلبة صماء ودعا " اللقلق" العراقي الى مشاركته هذه الوليمة التي يقول انه اقامها على شرف الاخير اي " اللقلق العراقي " اوغلو كشف في مؤتمره الصحفي مع وزير خارجية العراق هوشيار زيباري يوم الاحد 10 \ 11 \ 2013 عن مواقف تركيا ازاء اهم الملفات العالقة بين البلدين .
ففي ملف المياه - التي تمتنع تركيا عن تزويد العراق بحصته المائية في نهري دجلة والفرات – رفض اوغلوا الاعتراف بسلب هذه الحصة وقال بالحرف الواحد ( المياه هي اغلى شيء ) واضاف ان الحوار مع العراق في هذا الخصوص يدور ليس عن الحصص المائية بل حاجة كل بلد لهذه المياه وهذا الكلام لا يحمل الا معنى واحد هو ان تركيا لا تريد ان تعطي العراق حصته المائية وفق الاتفاقية الدولية لتقاسم مياه الانهار , بل تعطي العراق المياه التي تريد ان تعطيها مقابل ما تريد ان تأخذه , ولا تعتبر هذه المياه حقا للعراق بل منّةً منها , طبعا مادامت "المياه هي اغلى شيء" كما قال اوغلو, وبالتأكيد ان الاهوار العراقية ليست مشمولة بحصتها من هذه المياه, ناهيك حصة شط العرب , وفضلا حاجة الزراعة بانواعها في العراق للمياه الوفيرة والمستمرة وخاصة زراعة الرز .
وفي الملف الثاني رفض اوغلو الاعتذار عن سياسة حكومته السافرة ازاء العراق وتدخلاتها السابقة ودعمها للارهاب وللتطرف الطائفي وايوائها لسياسي عراقي محكوم بالاعدام وفق المادة اربعة ارهاب وهو طارق الهاشمي , وانكر اوغلو ان تكون تركيا قد دعمت الارهاب والتطرف, مع ان تركيا وباعترافها – اثناء الازمة مع العراق - وباعتراف الارهابيين انفسهم وخاصة في سوريا انها " اي تركيا" كانت تدعم المسلحين الارهابيين وتشجعهم على القتال في العراق ناهيك عن سوريا . وقد ذكر مسلحون وداعمون للمسلحين وحتى (مختطفي اعزاز اللبنانيون) قالوا انهم رؤوا عناصر " داعش والنصرة" يدخلون تركيا ويخرجون منها بتصاريح تركية تسهل مهماتهم ناهيك عن الدعم المادي واللوجستي الذي تقدمه تركيا لهؤلاء الارهابيين والعالم كله رأى ذلك وسمع به .
وفي الملف الثالث الخاص بتشجيع تركيا لتمرد حكومة اقليم كرستان العراق على حكومة المركز في بغداد بخصوص قضية السيادة الوطنية العراقية على الاراضي الثروات الحدود والمعابر والتجارة والعلاقات الدبلوماسية . لم يعتذر اوغلو عن كل افعال حكومته تلك, بل لم يعتذر حتى عن زيارته - قبل عام تقريبا - الى محافظة كركوك العراقية بالتنسيق مع حكومة الاقليم , بدون علم وموافقة حكومة المركز , ونسي اوغلوا كل تصريحاته وتدخلاته في الشؤون العراقية حتى انه قال ذات مرة ان القائمة العراقية تأسست في منزله . نسي وتنسى كل شيء ولم يقدم للعراق اي شيء ..... فلماذا اذن قدم اوغلو للعراق !؟
في الملف الرابع نجد بعض الاجابات , اذ يبدو ان الرجل قدم الى العراق اولا : لتحقيق مصالح حزبه ورئيس وزرائه طيب رجب اورغان , اي حزب الحرية والعدالة اعني " الاخوان المسلمين " بعد فشل مشروعهم في المنطقة وخاصة في مصر وتونس وسوريا , وبعد تخلت امريكا والاتحاد الاوروبي ودول الخليج عن هذا المشروع , يريد اوغلو ان يعوض خسارة حزبه في الدول العربية التي فشل فيها الاخوان المسلمون , يعوّضها على محاور عديدة في العراق : المحور الاول حماية الاخوان في العراق والذين يقودهم رئيس البرلمان العراقي اسامة النجيفي ووزير المالية - المستبعد حاليا – رافع العيساوي , ومن هنا تضمن حكومة اوغلو مكانا للاخوان المسلمين في سياسة وحكومة العراق, خاصة بعد خسارة تركيا لطارق الهاشمي , اما المحور الثاني, يريد اوغلو ان يعوض خسارة مشروع حزيه الاخواني : بعد ان خسر السعودية ومصر وسوريا - هذه الدول التي ناصب الاخوان المسلمين العداء بعد ما سُمي الربيع العربي - يريد ان يعوّض هذه الخسارة بجار غني وضعيف وحليف لامريكا , وهو العراق الذي يلعب به الاخوان المسلمين دورا فاعلا قد يصل ذات يوم الى ما وصل اليه اورغان الاخواني .
تركيا باتت وحيدة بعد انكفائها عن الاوروبيين منذ سنوات وبعد فقدانها مصر وسوريا ولبنان ودول الخليج , وعلى هذه الحال جاء اوغلو الى العراق, ليس حبا بالعراق ولا تصحيحا لمسار سياسة حكومته الخاطئة اتجاه هذا البلد . بل ليظل العراق سوقا ومراكز عمل واستثمار للشركات والبضائع التركية , التي باتت الشركات والبضائع الايرانية والاسيوية تهددها في السوق العراقية .
السياسة العراقية سياسة هزيلة وغبية, والخارجية العراقية لا تمثل العراق بقدر تمثليها لشخوصها ومصالح زعماء شخوصها وقومياتهم وطوائفهم , ومن هنا لم يدرك الساسة العراقيون ولا الخارجية العراقية ضعف تركيا الراهن ليحققوا من خلال هذا الضعف " لا اقول مصالح العراق " بل حقوقه ... بينما استغل ثعلب تركيا الماكر " اوغلو اللقلق العراقي " مالك الحزين" ليحقق من خلال غفلته وغبائه وجهله مآربا ومكاسبا دون ان يقدم مقابل ذلك شيئا يذكر غير الكلام المعسول - والمغسول بالكذب والافتراء "وتمشيط شعر الصبايا" – لقد تجاوز اوغلو من قبل واليوم وحتى في مؤتمره الصحفي الاخير في بغداد تجاوزعلى حقوق وسيادة وكرامة العراق وعلى عروبته وعروبة دول عربية عديدة دون ان يجد ردا من الدبلومسية العراقية , بل بالعكس وجدنا الساسة العراقيين يتبركون بلُعاب اوغلو الذي يخرج مع كلماته المسمومة , ونحن نعلم ان التصريحات السياسية والدبلوماسية في دول الشرق الاوسط " ما عدى اسرائيل وتركيا " هي تصريحات وحسب تنتهي بنهاية الكلام وليس مبنية على رؤى وخطط وبرامج ولها اهداف محددة , مثلما نرى في امريكا واوروبا من مصداقية للتصريحات السياسية والدبلوماسية , وكما شهدنا مؤخرا كيف هدد تصريح للرئيس الامريكي باراك اوباما العالم بحرب ثالثة لولا لطف القدر , ذلك عندما قال : " الكيمياوي خط احمر في سوريا " .
مقالات اخرى للكاتب