80 موظفا, هي الدفعة الحالية, التي وصلت الى تركيا مؤخرا , وهي احدى دُفعات ايفادات ديوان ومجلس محافظة بابل, المستمرة , والتي تزايدت وتيرتها – على مستوى الموظفين - بعد ان تعطلت عملية ايفاد رئيس واعضاء مجلس المحافظة - التي اثقلت ميزانية المجلس ماليا وعطلت عمله طوال السنوات الاربع الماضية – ثمانون موظفا سبقهم ثمانون اخرون وقبلهم كان الكثير وبعدهم الاكثر . ايفادات وحَسبُ, ليست مهمّة عناوينها ولا موضوعاتها ..! المؤُفَد والمُوفِد ينظران اليها كفرصة سفر سياحية , وعندما يعود المُفَدون نسمعهم يتحدون (كما كان اعضاء المجلس يتحدثون) عن اشكال وطبائع الناس هناك, وخاصة عن النساء الجميلات وعن الشوارع النظيفة المنظمة وعن الفنادق والمطاعم الراقية والمناطق المُبهرة التي رؤها واخيرا عن مقدار منحة الايفاد ( البكت موني ) .. ايفادات يذهب فيها الفني الى دورات ادارية والاداري الى دورات فنينة , والقانوني الى دورات حول الصرف الصحي , يذهب فيها النافذون لدى "الخليفة" وبطانته ومن يُحسب عليه , واليوم اصبح يذهب فيها حتى من له صلة بخادم الخليفة , ايفادات يعود منها الموظف اكثر شراهة وادمانا على الايفاد – تماما كما يعود اعضاء المجلس - فيشرعنوا كل خطأ ومعصية وفساد ويصبح الايفاد حقا مستحقا بالقانون . وبناء على ما تقدم فقد اصبح واجبا على الدولة ان ترسل كل الشعب في ايفادات لان المال العام هو مال الجميع وليس مال المسؤول او الموظف العام فقط ... ايفادات هي سفرات سياحية ! ويا ليت هذه السفرات تحقق "العدل في الفساد" فبينما ذهب البعض من الموظفين مرّات عديدة اقلها اكثر من مرتين نجد موظفين ومنذ قيام مجلس المحافظة وديوانها لم يذهبوا مرة واحدة في اي ايفاد .
يعرف المختصون ان للايفاد شروطه, ومن بين اولى تلك الشروط واكثرها وجوبا ان تكون المؤسسة بحاجة فعلية وملحّة لخبرة او ممارسة او اي فعل او خدمة يتعذر الحصول عليها دون ايفاد شخص او اكثر للحصول عليها مباشرة من المصدر ونقلها للمؤسسة والعمل فيها , على ان يذهب في الايفاد الموظف الاكثر قدرة على استيعاب تلك الخبرة او التجربة ونقلها, وان يكون من ذوي الاختصاص , وان يقدم عند عودته تقريرا مفصلا عن ايفاده ويشرع في تقديم ما تعلمه وممارسته في مؤسسته التي ما ارسلته الا لحاجتها الملحة لما ذهب من اجله . وبناء على شروط الايفاد العامة نرى انه في محافظة بابل يفتقد الى كل تلك الشروط , فلا حاجة ملحة للمؤسسة ولا شخص مختص يذهب في الايفاد ولا تقرير حقيقي يقدم ولا تُنقل اية خبرة ولا يمارس اي فعل لصالح المؤسسة حتى السلوك العام الراقي الذي شاهده الموفد في تلك البلاد واعجب فيه وظل يعبر عن اعجابه به لا يمارسه ولا يقترب منه , بل نجد اغلب الايفادات تعود على البلاد بالسيئات, فالموفد يصاب بحمى الايفاد ويظل يجاهد بكل قواه وبكل الوسائل غير الشرعية من اجل الحصول على ايفاد آخر يتمتع به ويحصل منه على " بكت موني" بل ان بعض الايفادات تشوّه صورة وسمعة العراق وقد حدثنا بعض الموفدين عنها بالقول: ان بعض المسؤولين والموظفيين يقصدون مناطق " بيع الهوى" ويمارسون سلوكيات تعكس صورة سيئة عن العراق وشعبه , ويقول احدهم متحدثا عن ايفاد قبل سنتين تقريبا انهم ذهبوا الى دولة اسيوية واعجب احد المسؤولين بفتاة تبيع الهوى من تلك البلاد فدفع كل ما طلبته منه من مال وبعد العدة والعديد واشتباك الحديد بالحديد تبيّن انها رجل من "الجنس المثلي" فحدث خلاف ادى الى ضرب ذلك المسؤول على ايدي جماعة المثليين . هذه صورة من صور كثيرة يروها البعض بنفسه عن نفسه ويا كثر ما سمعنا ذلك علنا .
اعتقد – انا شخصيا – ان الايفادات التي نتحدث عنها تنحصر في باب الفساد وهدر وتبذير المال العام . واذا ما تجاوزنا كونها سفرات سياحية للمسؤولين وبطانتهم وللموظفين الكبار النافذين , ونظرنا اليها علميا وعمليا ووفق المقاييس , نرى انها في صنفين , الاول ايفادات لجلب معلومات " انسانية" ادارية قانونية اجتماعية واغلبها يتركز في باب تنمية القدرات والموارد البشرية . امّا الصنف الثاني فهي ايفادات لجلب خبرات تقنية تكنلوجية . ومن هذا التصنيف تعالوا نحسب كم يكلف ايفاد 80 موظفا الى تركيا كـ – تذاكر سفر ,, فنادق,, وجبات طعام ,, نقل داخل ذلك البلد ,, بكت موني وغيرها من المصاريف غير المرئية ككلفة ترك الموظف لعمله مدة اسبوعين – لا بدّ ان الشخص الواحد يكلف الدولة اكثر من خمسة ملايين دينار وبالتالي ستكون كلفة الـ 80 موظفا حوالي نصف مليار دينار تقريبا , كل ذلك من اجل الحصول على محاضرات في تنمية الموارد والقدرات البشرية في الادارة والقانون وسواهما ؟ وهنا استطيع ان اقول ان في العراق اساتذة وخبراء هم بمستوى الموجدين في تركيا بل افضل منهم ويستطيعون اعطاء محاضرات افضل واكثر مما تُعطى للموفدين الى تركيا او الى اي بلد آخر ولن تكلف العملية برمتها اكثر من عشرة الى عشرين مليون دينار , وحتى لو اردنا ان نستقدم خبراء واساتذة من خارج البلد الى المحافظة ليقدموا محاضراتهم لا لـ 80 موظفا بل للمئات فان العملية برمتها لن تكلف اكثر من ربع كلفة الايفاد . اما عن الايفادات التي تُعنى بالخبرات التقنية التكنلوجية , فاظن ان لا مصانع لدينا حتى نرسل من اجلها موفدين الى تركيا او دول اوروبا ليتعلموا العمل على مكائن وآليات جديدة , ناهيك عن ان المجلس والمحافظة هي جهات رقابية ادارية وليست مؤسسات صناعية او زراعية او سواهما ما يفرض عليهما تعلم التقنيات الجديدة وجلبها للبلاد .
مقالات اخرى للكاتب