هذا الاسبوع وقعت هيئة الاعلام والاتصالات ملحق عقد الرخصة الخاص بمنح ترددات خدمة الجيل الثالث في عالم الاتصالات الى شركات الهاتف النقال العاملة في العراق، ومنذ بداية العام المقبل ستكون الخدمة متوفرة على الهاتف النقال للمستهلكين. ستتوفر خدمة الانترنت السريع على الهاتف ما يسهل عملية انتقال المعلومات بسهولة، فضلا عن إمكانية اتصالات أفضل وأكثر أمناً. العراق متأخر جداً في توفير هذه الخدمة. سبقتنا إليها كل دول المنطقة تقريبا. بعضها انتقل الى مرحلة أكثر تطورا هي خدمة الجيل الرابع. أسباب التأخير تعود الى الاجواء غير السليمة التي يعيشها العراق، القوانين المعرقلة والمهترئة، سوء الظن والتخوين، معايير الرقابة والمحاسبة البعيدة عن الوعي، وإلى مسؤولين محدودي الوعي وآخرين تحركهم المصالح.
هيئة الاعلام والاتصالات التي ينص القانون على انها صاحبة الحق في تحديد أسعار الترددات ومنحها للشركات أحالت الامر الى مجلس الوزراء، تخلصا من اتهامات قد توجه لها من قبل بعض السياسيين. دخلت القضية في لجان ومزايدات لأكثر من عام لتعود بعدها الى الهيئة ثم الى شركات استشارية عالمية استغرق عملها قرابة العام لتقدم في النهاية اقتراحاتها للاسعار. ومرة أخرى دفع الخوف من التخوين الى إرسال الامر الى اللجنة الاقتصادية العليا التي شهدت مناقشات مضحكة قبل ان تحيل الامر الى مجلس الوزراء للمصادقة على الاسعار. كان بالإمكان توفير الخدمة منذ قرابة ثلاثة أعوام لو أن الاجواء كانت سليمة، وهي أجواء تفسد كل عمليات النهوض والبناء. تحاشي الاتهام والتخوين الشائعين اليوم، يدفع الكثيرين الى عدم الانجاز، أو الى سلوك الطرق الطويلة المعوقة والمعرقلة.
لا يزال العقل العراقي، خصوصا الرسمي، مبرمجا على مركزية الدولة، وعلى تدخلها المباشر في كل شيء، وعلى كره القطاع الخاص والنظر إليه على أنه منافس للدولة. بعضهم يعارض القطاع الخاص لسبب مضحك وهو ان هذا القطاع "يحقق أرباحا طائلة". لكن كلمة رئيس الوزراء في حفل توقيع عقود الجيل الثالث مع شركات الاتصالات أعطت أملاً بتعامل حكومي جديد مع الواقع الاقتصادي، فقد تحدث عن ان الدولة لا بد ان تكون داعما للقطاع الخاص وليست منافسا له، وبذلك أنهى الجدل حول منح وزارة الاتصالات رخصة شركة حكومية لخدمات الاتصالات النقالة، وهي - الوزارة - عجزت عن إعادة الهاتف الثابت الى الخدمة رغم عدد الموظفين في شركتها والذي يفوق العشرين ألف موظف.
في ظروف العراق الحالية لا يبني البلاد غير القطاع الخاص وبرقابة وتوجيه وتنظيم من الدولة. كل الاقتصاديات المتطورة والكبيرة بناها القطاع الخاص، فهو ينبني وينتج بكلف أقل ومدد أقصر ونوعية أفضل. حتى الطرق والخدمات من ماء وكهرباء وهاتف ثابت ونقال وغيرها يبنيها القطاع الخاص في الدول ذات الاقتصاديات الحرة. كثير من المسؤولين بحاجة الى التخلي عن كراهية القطاع الخاص، حتى صغار الموظفين الذين يعرقل بعضهم معاملة مستثمر، حسداً وكراهية. لكن الدولة بمؤسساتها وهيئاتها يجب ان تقوم بالتنظيم بما يوفر ظروف نمو القطاع الخاص، وفي الوقت نفسه منع استغلاله للمستهلك مع ضمان تقديم خدمة جيدة.
مقالات اخرى للكاتب