من خلال البيان الختامي لقمة التعاون الخليجي (36 ) في الرياض الأربعاء 9 ديسمبر/كانون الأول .وتأتي القمة هذه المرة في مرحلة توصف بالأكثر دقة بالنسبة للمنطقة بالتزامن مع نزاعات في اليمن والتطورات والانتصارات العسكرية في سوريا والعراق على قوى الارهاب وانخفاض أسعار النفط .و تستطيع ان نعرف الكثير من الحقائق التي قد تكون مبهمة لما يجري في مثل هذه القمم المصطنعة ويؤيد على هيمنة السعودية على قراراتها دون مشاركة الاخرين في صياغتها ويمكن العودة الى الخلفيات الحقيقية بين دول هذه المنظومة ولم يكن لها محل وموقف مشرف من التدخل التركي وتوغل قواته العسكرية داخل الاراضي العراقية في نفس الفترة التي انعقدت فيها قمة التعاون الخليجية . لربما يعتقد البعض الى الخلافات بين هذه التشكيلة الخليجية من السهولة يمكن طيها وتنتهي بمجرد ما يجلس الاطراف من اجل حلها ويتم الاتفاق على الامور بكل يسر ...
لكن الواقع كما قال المؤرخ الشهير ابن خلدون( اتفق العرب على ان لايتفقوا ) ومما لاشك فيه ان هناك جملة من الخلافات التي من الصعوبة تجاوزها بين هذه الدول ولها علامات فارقة على جدران البيت الخليجي المنخور في الداخل والتي ستؤدي وتبقى علامات وتحولات تطبع افقها على الاجندة السياسية وتعثرات وتغيرات في موازين القوى في المنطقة هي ليست بظاهرة جديدة فالمعروف ان هناك العديد من الفجوات والفروقات في وجهات النظر تؤدي في الكثير من الاحيان الى الظهور على السطح اما البعض من هذه الخلافات تبقى سرية واثارها يمكن ملاحظتها من التكتلات داخل منظمة التعاون الخليجي وفي المؤتمرات الدولية التي تدل على عمقها السياسي والمخاوف الامنية والتي هي تعتبر من الاسباب الرئيسية التي تمنع توحيد صفها وافتقارهذه المنظومة للثقة بسبب ابتعادها للنظام الراسخ والبناء المحكم والاستراتيجي . ويمكن ان تكون الخلافات الحدودية والتنافس العائلي واختلافات السياسات الخارجية وطبيعة دور مجلس التعاون الهش واداؤه ، ومن جملة الخلافات التي وصلت بينها للقطيعة سحب السفير السعودي من الدوحة عام 2002 والتي كانت من اهم الخلافات التي كادت ان تعصف بكل المنظومة واختلالها .اما المشهد الاخر في الخلافات هو ما حدث في مارس /اذار 2014 في تاريخ دول المجموعة عندما سحبت كل من البحرين والامارات والسعودية سفراءهم من دول قطر ويعد من الاحداث التي تكشف عن معايب هذه المنظومة ولم تنحل إلا بتدخل امير الكويت على اساس ترك الخلافات جانباً وفي المضي بالقمة التالية التي عقدت في الكويت والتي اتهمت سلطنة عمان كل من قطر والسعودية فيها بدعم الارهاب بكل صراحة . واشعلت الحروب التي تشن في المنطقة التي لا تهدف الى إسقاط أنظمة فحسب، بلا هي مرحلة لضرب الدول وتخريب اقتصادها، وضرب الهوية الوطنية والتاريخية وترسيخ المذهبية والتي اكثرها لاتعترف بحكم الدين اساساً.
ولم تنتهي عند هذه النقاط بل لقد سعت بعض دول التعاون احتواء التركات خلال فترة قيام ما يسمى ( الربيع العربي ) وكبح جماحها ودعم المؤامرات المضادة لاعادة النظم السابقة في بعض البلدان كما هي في ليبيا وتونس اوفي مصرحيث تقاطعت قطر مع سياسات الدول الخليجية الاخرى والتي سعت لوأدها كما كان للنظام المصري حيث تم اسقاط نظام الاخوان المسلمين ودعم النظام العسكرية ووضعت كل ثقلها للحفاظ عل مكانة مصر التاريخي من قبل الامارات والسعودية والبعض الاخر .وبقيت قطر من الدول التي تختلف معهم ووقفت مع النظام التركي في تلك المهمة .الضليعة كما كشف عنها السفير الأمريكي السابق في تركيا فرانسيس ريتشاردون على تورط حكومة رجب طيب أردوغان بدعم الإرهاب في سورية بمختلف مسميات تنظيماته وأن الحكومة التركية تعاونت بشكل مباشر مع فرع تنظيم القاعدة الإرهابي في سورية وقدمت له مختلف أشكال الدعم. وأكد النائب عن حزب الشعب الجمهوري “رفيق أريلماز”، وفق ما ذكره للاعلام، في ذلك الحين أن “عناصر تنظيم القاعدة انتشروا بشكل واسع في تركيا”، وأشار إلى أنه “يتم نقل العناصر المسلحة إلى سوريا عبر تركيا منذ اربع سنوات الأمر الذي يمكن رؤيته في المطارات بشكل واضح وحراس يسافرون مع المقاتلين الشيشان من اسطنبول إلى محافظة اسكندرون بالطائرة نفسها”.
وقد حاولت دول الخليج برأسة السعودية ثني قطر عن سياستها المذكورة إلا انها فضلت الاستمرار في عملها لان بعض الدول الخليجية تتحفظ على دعم الحركات الارهابية التي تتعامل مع تركية كما تعتقد.
وقد تخطى الخلاف النطاق الرسمي واتجه الى وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي واصبحت مجالاً للتراشق على الفضائيات وشاشات التلفزة .وتخوين البعض للاخر.
وبهذه المناسبة اود الاشارة الى ان بعض دول الخليج تتميز بالعقلانية واتبعت سياسات تحقيق المصالح والتوازن في التعاملات الدولية ونجحت كما هي سلطنة عمان حيث ساهمت في حل الكثير من المشاكل في المنظقة بالطرق السلمية واحتضنت لمفاوضات بخصوص الملف النووي الايراني مع الدول الغربية ( 5+1 ) وهي هي احدى الامثلة لمساعي دول اتخذت لنفسها سياسة متوازنة ومنفردة في المنظقة المعقدة وتختلف مع البلدان الاخرى في الكثير من المواقف. وهي ايضاً نموذج للسياسة الفاعلة والمستقلة المتقاطعة مع اطماع الرياض واختطت لنفسها اعلاها و سوف تؤيدها في المستقبل القريب العديد من الدول الخليجية المحافظة واقربهم هي دولة الكويت.
من الامور التي يجب ادراكها ان في عملية مكافحة الارهاب المطروحة في البيان الختامي للقمة (36) لدول التعاون فانه في الواقع لايوجد اتفاق واضح في ذلك انما تم املاءه وفق ما تريده الرياض للتغطية على جرائمها في دعم الارهاب والتي كشفت عنها الكثير من الدول الصديقة لها وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية وقد تجلت تداعيات الاوضاع في الانبار عن حقائق للدعم السعودي ،
بعد ان كشفت مصادر امنية عن اعترافات أدلى بها أحد قادة تنظيم "داعش" الارهابي الذين اعتقلوا مؤخرا، تتضمن تسلم التنظيم ١٥٠ مليون دولار مع ٦٠ سيارة دفع رباعي مكتوب عليها صنعت خصيصا للسعودية .وقد تلوثت يدها في بحر الدماء التي تنزف من ابناء العديد من بلدان دول المنطقة مثل العراق وسورية واليمن حيث تقود السعودية منذ مارس/آذار الماضي تحالفا عربيا بدأ بتوجيه ضربات جوية ضد الحوثيين وحلفائهم من القوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، والبحرين تباح دماء الاكثرية وتقدم العون والدعم من اجل اسقاط انظمة البعض من البلدان وخاصة الممانعة التي تتميز بحكومات وطنية وتعتمد في وجودها على قواعد شعبية عكس بلدان المشايخ التي تعتمد على التوريث في انظمتها لهذا تراها مرعوبة من وجود تلك الانظمة وتبذل المستحيل للقضاء عليها وذلك من خلال دعم التطرف والارهاب والطائفية . وسبق اعتراف مسؤولين امريكيين ان التورط السعودي في الارهاب يتجاوز الدعم الى الصناعة. وكتب ابرز المحققين الامريكيين سيمور هيرش عام ٢٠٠٧ تحقيق بعنوان "اعادة التوجية Redirection " يستعرض الاستراتيجية الامريكية الجديدة في المنطقة التي تسعى لخلق فتنة سنية- شيعية بالاعتماد على دعم الامراء السعوديين من خلال اطلاق الوحش الوهابي. يضاف اليه أعتراف نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي قال أن التنظيمات الإرهابية في سورية بمن فيها إرهابيو القاعدة حصلوا على تمويل ودعم آخر من حلفاء واشنطن في المنطقة كالسعودية وتركيا والامارات.
والمعروف ان الخلافات الخليجية – الخليجية ليست ظاهرة جديدة والتباين في وجهات النظر العقيمة مستشرية وموروثة بالنسبة للحكام . والمؤسف ان بعض حكومات دولها لم تلتزم بالمبادئ الدينية والاخلاقية والارث الحضاري الانساني للمجتمع الدولي والامتين الاسلامية والعربية وقيم وتقاليد المجتمع الخليجي والتي تدعوا الى نبذ العنف والارهاب بكل اشكاله وصوره ولم تلتزم الموثيق الدولية وخاصة ميثاق الجامعة العربية والامم المتحدة وساعدت على تنامي الارهاب ومدت يد العون لهذه الظاهرة الخبيثة والخطرة ولم تدرك تهديداته للمجتمع الدولي والحياة المدنية وانعكاستها على المنطقة بعيداً عن المسؤولية الجماعية في المحافظة على الامن والاستقرار.
مقالات اخرى للكاتب