يشاع اليوم ان امريكا أقامت حلفا ً لمحاربة داعش في العراق وسوريا ،ومع اننا وفق المعطيات السابقة وبالأخص ماظهر من تسريبات العميل الأمريكي (سنودن ) ،لم نكن نصدق ان امريكا ستشن هجوما ًحقيقيا ًللقضاء على داعش ، فقد فضحت نفسها وحلفائها بغزل الحبايب الذي يجري على الأرض العراقية بينها وبين قطعان هذه العصابات .
واليوم تتطور الأمور لتصبح دخول جديد للقوات الأمريكية للعراق ،وكما كان الأحتلال الأول للتخلص من صدام فهو اليوم بحجة التخلص من داعش ،اذن لن يخرج العراق من تفكير الأمبراطورية إلا ّ بزوال الأمبراطورية .
بعد العام 2003 وبعد دخول القوات الأمريكية العراق أشيع في الشارع العراقي ان امريكا لم تكن تستهدف العراقيين بقدر ما كانت تريد النظام الديكتاتوري ، وان العراقيين سوف يعيشون ،وفق الأحلام الأمريكية ، بين انهار اللبن والعسل الأمريكي والأوربي ،وليس هذا فقط بل راحوا يروجون الى افكار ابعد من هذا بكثير من مثل ان العراق سوف يشمل بعناية امريكية خاصة كما لو انه ولاية تضاف الى الولايات الأمريكية وهذا متأتي من أهمية العراق الذي هو خزان نفطي يمثل الأحتياطي المستقبلي للعالم ولكون العراق قد تعرض الى حروب امريكية مدمرة وحصار قاسي رغم ان شعب العراق لم يكن له ذنب في مغامرات صدام حسين ، فيمكن تعويضه بعناية وعلاقات خاصة من امريكا واوربا بما يغيير الصورة المرسومة في الذهنية العراقية عن امريكا المدمرة المتوحشة ،التي حاصرت شعب العراق 13 سنة ، ويبني صورة جديدة لعلاقات جديدة مبنية على المصلحة المشتركة .
فوجئ العراقييون ان كل هذه الأفكار لم تكن سوى تنظيرات استخبارية واعلامية هدفها تسهيل مهمة القوات الأمريكية في العراق ، وقد اتضح منذ الأيام الأولى لغزو 2003 حجم الحقد الذي يكنه المهاجمون للعراق وذلك لما قاموا به من تدمير للبلاد وصل الى انهيار البنى التحتية وحل قوات الجيش والأمن واغراق البلاد في فوضى لاقرار لها ، والسماح لطفيلين من البلدان المجاورة بالدخول الى البلاد والمساهمة والمعاونة بالتخريب والنهب والسلب الذي طال الأموال والأثار والكنوز الوطنية الأخرى ،تحت سمع وبصر القوات المحتلة والذي يفترض انها المسؤولة مسؤلية مباشرة عن البلاد بعد اسقاط مؤسسات الدولة .
صبر العراقيون :
ومع كل ذلك فقد أعطى العراقييون الأمريكان الفرصة لأكثر من عام أملا ً منهم في تغيير الأوضاع ،وخلال ذلك لم تشن هجمات معتبرة ضد القوات الأمريكية ، غير ان الأمريكان تمادوا في مضايقة الشعب واستفزازه في مسيرات القطعات العسكرية التي أخذت تصول و تجول في البلاد وتدخل المدن وخاصة تصرفات الشركات الأمنية ،وبدأت الفضائح تظهر لكل ناظر وبدى يبرز اليأس من أي بادرة خير للمحتلين، وصنفوا بأنهم محتلون خربوا ودمروا اسوة بالموجات البشرية للمغول والتتار التي مرت بالبلاد ليس إلا ّ وقد يكونوا اسوء ، وسوف يكشف التاريخ عن كل الفضائح التي ارتكبها الأمريكان في العراق مما يندى له الجبين .
العراق يسلم للأرهاب :
واليوم يتفرج العالم على العراق، الذي كان جيشه بالأمس يعد من ارقى الجيوش المتقدمة في العالم ، وهو يترنح تحت ضربات ارهاب غير منظور المصدر ، ولكن الدول الداعمة والمغذية له معروفة وهي جميعها وطيلة تاريخها بيد السيد الأمريكي وهذا ما يثير الف سؤال وسؤال عن الأهداف الأمريكية في العراق والسياسة المتبعة لأمتلاك العراق ونفطه ، اذا استعرضنا ردود الفعل الدولية على عمليات ارهابية تمس مواطنين اوربيين او امريكان أو مصالح لهم ،وقارنا ردودالغرب والمنظمات الدولية بما يحصل في العراق من جريان لنهر الدم والسكوت عليه، رغم ان مايجري هو فعل لاحق للغزوات الأمريكية والغربية المشتركة وسببا ً لما حصل في العراق بسببها ، فأننا حالا ً نستذكر ما كانوا يعلنون من رغبة في استمرار نزيف الدم العراقي ابان الحرب العراقية الأيرانية ، وأذا اعتبرنا تلك الحرب وحرب ما عرف بتحرير الكويت والحصار ومن ثم حرب 2003 هي سلسـلة متوالية لأنهاك شـعب العراق واخضاعه ، فأن حلقة الأرهاب وما تلاها من مسلسلات داعش هي حروب جديدة بكل المقاييـس تكمل سـلسـلة الحروب السابقة والهدف منها واحد .
الجنة الأمريكية الموعودة :
أن الوعود الكاذبة بعالم افضل كان دائما" المصيدة التي تستخدمها امريكا والدول الأوربية لكسب تأييد الشعوب المراد أثارتها وعادة يؤدي ذلك الى الفوضى وأنهاك البنى التحتية لتلك البلاد وفي النهاية تحقيق الدول الغربية أهدافها في السيطرة على مواردها أو مواقعها الأستراتيجية .
من الملاحظ ان الأرهاب كان يتبع خطوات مايعرف بالتغيير والديمقراطية ، فبلدان مثل العراق وليبيا لم تكن تسمع بالقاعدة والمفخخات وعصابات الأنتحاريين ولكنها اصبحت مرتعا ً للأرهاب بعد دخول القوات الغربية ، دون ان يكون هناك أي مساعدة فعلية وواضحة لهذه الدول للتخلص من الموجات الأرهابية .
الأحتلال الأمريكي الجديد يثير حفيظة العراقيين :
يظهر ان الشارع العراقي قد فقد الأمل ،على المستوى القريب ، في تعاون امريكي عراقي مثمر يعيد للبلاد ،على الأقل ، مادمرته الآلة العسكرية الأمريكية ، ماذا لو ساهمت الأدارة الأمريكية اليوم ،كبادرة حسن نية ، في اعادة الجسور الحديثة التي دمرتها طائراتهم الحربية عام 1991 ،والتي استبدل العراقيون بعضها بجسور عائمة قديمة لاتسد حاجة البلاد المتزايدة ، ماذا لو اعادوا محطات الكهرباء التي دمروها أو التبرع بمحطات جديدة ، ماذا لو تبرعوا بأجهزة كشف المتفجرات من تلك التي تستخدم داخل بلادهم بدل من التفرج على موت العراقيين اليومي الذين هم يشتركون بالذنب فيه ، وماذا وماذا ...
ولكننا واثقون ان أي شئ من هذا لن يحدث وستبحث امريكا عن إحتلال جديد و مصالح لها جديدة في العراق لقاء بعض التسهيلات التي لايحسها شعب العراق وبالتالي تبقى امريكا هي نفسها امريكا التي لاتحمل للعراق سوى مزيد من الدسائس بأتجاه طمعها بثرواته لاغير .
ان على أمريكا و المجتمع الدولي التظافر اليوم للقضاء على الأرهاب بكل اشكاله والحد من حرية الدول الداعمة له تحت العديد من المسميات الغير مقبولة ،وتجفيف منابعة ،وهذا يتم اذا طبقت اجراءات صارمة في عموم دول العالم ،بعد أن أصبح الخطر يشمل الجميع . وان وحش الأرهاب الذي أطلق عنانه من بعض الدول بحجة أمكانية توجيهه والسيطرة عليه ، يبدو اليوم شئ مخيف وخارج السيطرة وسينال من الجميع .