لاشك، ولاريب، بل يقيناً أن التعليم حق مكفول للجميع، شرعاً، وعرفاً، وقانوناً، لكن يحتاج الى تخطيط ينسجم مع حاجة البلد الفعلية، ولاسيما أن التعليم عندنا مرتبط بالتعيين، وكنا نثقف من أهلينا، في مجال التحفيزعلى المذاكرة، أن من " يرسب سنة، يخسر راتب سنة"، ومن هنا ارتبط الجد والإجتهاد بالوظيفة، الى حد أن خيارات الدراسة الجامعية أصبحت منوطة بفرص التوظيف، حتى وان كان الطالب لايرغب بها، أو انها اكثر أو أقل من قدراته الذهنية.
التعليم العالي في العراق، في حالة توسع مستمر، وفي كل يوم تولد جامعة، حكومية أو أهلية، غير أنها لاتشكل حالة نهوض ولا تطور، مثلما لاتمثل كثرة الأحزاب ان البلد ينعم بالحرية والديمقراطية، كما أن تزاحم الأجهزة الأمنية، وتعدد القوات المسلحة، بصنوفها الرسمية، والميليشياوية، ليس دليلاً على ضبط الأمن، لذا انت في نهاية كل سنة دراسية، تستقبل شهادات جامعية لاحصر لها، الى جانب شهادات " مضروبة" من سوقي مريدي وكوجة مروة، وغيرهما، وفي اختصاصات حساسة، كالطب مثلاً، فيما ترد شهادات أخرى من الخارج، غير معترف ببعضها، وبعضها الآخر، لايشبع ولا يغني، وبالتالي تقف حائراً ازاء هذه الموارد البشرية الكبيرة، أين تصرفها، آسف كيف وأين تستثمرها؟ .. على أرصفة البسطيات، أم في صفوف الميليشيات، أم في وحدات الجيش والشرطة، أم على مكاتب مؤسسات الدولة، تغفو ساعة، وتروح عن نفسها ساعة.
المشكلة إذاً في غياب السياسة التعليمية، وهي جزء من حالة الفوضى السائدة في قطاعات الدولة كافة، برغم العناوين الرنانة التي تحملها، ويحملها القائمون فيها من خلال مؤهلات وشهادات عليا يتلقبون بها !!، لأنهم يعتمدون أساساًعلى قاعدة " مشيناها خطًى كُتبتْ علينَــــا ومن كُتبتْ عليه خطًى مَشاهَا!!"، وقد أشارت إحدى الدراسات الى أن 75 % من الذين يدخلون الجامعات غير صالحين للدراسة الجامعية، ولا الجامعة تصلح لهم، إضافة الى أن بعض الإختصاصات التي تمنح سنوياً أصبحت فائضة عن الحاجة، نتيجة إنتفاء الغرض منها، بسبب سوء التخطيط والتطبيق الإقتصادي، أو عدم وجود حاجة اليها أصلاً، مثل بعض العناوين السياسية التي لاغرض منها سوى التوافقات.
مقالات اخرى للكاتب