الارهاب توسع في المنطقة اليوم حتى بات خطرا على الدول البعيدة عنه، بل أن خطره بدأ يطال الدول التي مولته وغذته بالمال والسلاح والفتاوى. يتنشر اليوم كانتشار النار في الهشيم، وأينما وصل، حلّ الموت والخراب. في بغداد يجتمع الآن خبراء وأمنيون من أكثر من خمسين دولة ومنظمة، للبحث في هذا الخطر الداهم وكيفية مواجهته. مواجهة لن تكون أمنية فقط، فالتصدي الامني للارهاب هو تصدٍ لنتائج عملية فكرية وعقيدية منحرفة، ونجاحها في غسل العقول لا يمكن ان يتم إلا بتوفر بيئة مريضة سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا. وحيث ان الحضور الواسع الممثل لاكثر من خمسين دولة يكشف مدى جدية الخطر الذي تشعر به، فان اللقاء سيكون فرصة ليس للتدارس فقط، وإنما لتوقيع تفاهمات واتفاقات للتنسيق بين الدول القريبة والبعيدة لمواجهة خطر الارهاب، وهو أمر لابد منه في ظل انتشاره الجغرافي الواسع والعابر للحدود ، خصوصا وان من بين الحضور في مؤتمر بغداد من هم يرأسون او يمثلون رأس هرم الامن في بلادهم.
وما يعطي المؤتمر أهمية كبيرة هو انه ينعقد في أجواء تقارب بين أطراف إقليمية ودولية مؤثرة حول ضرورة مكافحة الارهاب. أطراف كانت حتى الامس القريب داعمة له أو صامتة حياله، لمصلحة لها فيه أو لعدم تأثرها به. يترافق مع ذلك تغيّر بعض مصالح الكبار واتجاههم الى خارطة سياسية جديدة لا مكان للارهاب أداة مساعدة فيه. كل هذا وغيره يستدعي ان تحظى فرصة انعقاد المؤتمر باستثمار فاعل من أجل قطع أشواط عملية في محاربة الارهاب الذي ينشر الخراب والموت في عقر دارنا منذ عقد من الزمن. أما الاكتفاء بالكلمات والخطب والنقاش الفكري المجرد، فسيجعل المؤتمر مناسبة إعلامية بحتة يتلاشى تأثيرها بعد انتهاء أعمالها وعودة المشاركين الى بلدانهم ، كما هو حال كل المؤتمرات التي عقدت حول الارهاب في دول عدة.
وفي الحديث عن الارهاب ومكافحته كان الإشكال في كل المؤتمرات يدور حول عدم توّحد مفاهيم الارهاب، فما كان إرهابا بالنسبة لدولة ما، يعد نضالا او مقاومة مشروعة في رأي دولة أخرى. هكذا كان يتصاعد النقاش والجدل وتنفض اللقاءات من دون اتفاق، وإن حدث ذلك فلا يصل الى التطبيق. اليوم يكاد يكون الاتفاق حاصلا تقريبا على ان الارهاب يمثل كل العناوين التي تفرعت من مدرسة التكفير بدءا من القاعدة وانتهاءً بـ"داعش" وما سيتفرع منها في المستقبل، رغم ان الاشكالية السابقة لا تزال موجودة ولكن بشكل آخر، عبر دعم بعض الدول لهذه المجموعات الاجرامية في مكان ومحاربتها في مكان آخر وفقا لمصالح تلك الدول وطبيعة علاقاتها مع الدول الاخرى.
المشكلة ان الساحة العراقية ليست بعيدة عن هذه الاشكالية، ليس فقط بسبب دعم أطراف إقليمية للارهاب في العراق رغم ادعائها محاربة الارهاب، بل لان الساحة السياسية العراقية هي الاخرى ليست موحدة الموقف من الارهاب. لدينا هنا جزء من الطاقم السياسي المشارك في الحكم لا يرى الارهاب التكفيري في العراق إرهابا، بل يطلق عليه أسماء تزويقية وتبريرية مثل ثوار العشائر وغيرها، والبعض من هؤلاء يقدم الدعم لهذه المجموعات سياسيا ومعلوماتيا موفرا حاضنة سياسية وجغرافية لها. مع هذا فان التعاون الاقليمي - الدولي لمحاصرة الارهاب ومحاربته في باقي الساحات فضلا عن الساحة العراقية، كفيل بمحاصرة هؤلاء وجعلهم خارج دائرة التأثير.
مقالات اخرى للكاتب