سؤال تردد كثيرا بعد إنتخاب الدبلوماسي المصري أحمد ابو الغيط ( 74 عاما) أمينا عاما لجامعة الدول العربية .. هل يعيد أبو الغيط الحياة للعمل العربي المشترك ، وستشهد المنظمة العربية في ولايته التي ستستمر خمس سنوات نقلة نوعية ، أم تظل تراوح مكانها ، إن لم تتراجع أكثر، وتنتهي الى التفكك ، وعدم الصلاحية في أجواء عالمية واقليمية مليئة بالعواصف والاعاصير ..؟..
أن ظروف الامة العربية الصعبة اليوم تستدعي وجود جامعة عربية بروح جديدة ، وليس الى وجوه جديدة ترأسها …
وبأختيار أحمد أبو الغيط – أخر وزير خارجية في عهد الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك ( 2004 – 2011 ) – في إجتماع وزراء الخارجية العرب الاسبوع الماضي سيكون الامين العام الثامن للجامعة العربية … سبعة من مصر ( دولة المقر ) ، بدءا من عبد الرحمن عزام عام 1945 ، وإنتهاء باحمد أبو الغيط ، الذي سيخلف نبيل العربي ، الذي ستنتهي ولايته في الثلاثين من حزيران / يونيو المقبل ، وواحد فقط من خارجها ، هو الشاذلي القليبي ( تونسي ) عام 1979 ، عندما انتقلت الجامعة العربية الى تونس .. ..
وهؤلاء جميعا بالتأكيد لا تنقصهم الخبرة ، أو الكفاءة المهنية ، والمهارة الدبلوماسية ، فقد كانوا وزراء لسنوات طويلة ، بعد تدرج وظيفي في العمل الدبلوماسي ، وعملوا في منظمات دولية ، وشاركوا في مفاوضات ، ومباحثات وإستشارات ولجان تتعلق بعملهم …
وربما هناك من يسأل ..إذا كان هؤلاء الامناء على تلك الدرجة العالية من الكفاءة السياسة والمهنية ، ومن التكنوقراط في مجال تخصصهم .. فلماذا مرت الدول العربية عبر تاريخ جامعتها بمحطات خطيرة ، ونكسات مريرة وكوارث وازمات ، وكان أخطرها الاحتلال والاستيطان والغزو والارهاب والتقسيم ، والخلافات ، ليس بين بعض العرب فقط ، بل داخل الجبهات الداخلية ، وتداعياتها التي لا تزال مستمرة الى اليوم …..
ولماذا نجحوا في عملهم في بلادهم ، ولم يحققوا شيئا للجامعة العربية يجعل دولها في وضع متميز ، تتجاوز فيه أزماتها ، وتحقق الحد المقبول من التضامن والعمل العربي المشترك فيما بينها ، ويكون للجامعة مكان مناسب بين مثيلاتها من المنظمات الدولية والاقليمية ، على غرار الاتحاد الاوربي كمثال أقرب الى التعاون والتكامل بين دوله …؟..
الجواب ليس بتلك الصعوبة ، ولم يكن غائبا عن المواطن العربي ، ولذلك لم يضع في إعتباره امكانية ان تستطيع الجامعة بوضعها الحالي إخراج الدول العربية من الازمات ، الامنية والاقتصادية والسياسية التي تمر بها ، واستهداف وحدتها بالتقسيم والتجزئة والتشضي اكثر مما هي عليه ، إذا ظلت على حالها تتجاذبها مجموعة إرادات ، ومحاور وتكتلات ، وتكون المواقف فيها حسب المصالح الخاصة ، وليس المشتركة ، وغالبا ما تأتي الى إجتماعات الجامعة برأي موحد اتفقت عليه خارجها ..
فهل سينجح أبو الغيط في تجاوز هذه العقدة المزمنة ، بينما لم يتمكن في ذلك أسلافه ..؟..
وهنا تكمن الصعوبة ويكون التحدي ، ومنها تنطلق البداية ، ويتحقق النجاح ، وليس باضافة رقم جديد في قائمة الامناء ..
وإذا ما حقق أبو الغيط ذلك للجامعة التي تعيش دولها ضمن منطقة مضطربة ، تعصف بها المشاكل والازمات أيضا ، يكون قد سجل نقلة نوعية ، وأعطى للجامعة روحا جديدة ، ولولايته تميزا ، وللمنصب دوره ، وليس أن تبقى الجامعة مجرد مبنى فخم وسط القاهرة ، وعلم يرفرف فوقه ، ووظيفة دبلوماسية ، ورواتب ومكافآت نهاية الخدمة ، وإجتماعات روتينية ، ومنبرا لتسجيل مواقف لابراء الذمة لا أكثر …
وعلى هذا الاساس لا يمكن للتكنوقراط والمهنية والتخصص ، وما شاكلها من مصطلحات ومفاهيم تدور في هذا الفلك أن تفعل فعلها المؤثر في حل المشاكل والازمات ، ومواجهة التحديات ، إن لم لم تكن هناك إرادة سياسية واحدة تنصهر فيها كل تلك الارادات ، لانها تلتقي على هدف مشترك ، تسعى مجتمعة لبلوغه ، وليس أن تكون ارادات متفرقة ، لكل منها هدفها ، ومصلحتها..
أراء وتعليقات عديدة صدرت ولا تزال في أعقاب اختيار الدبلوماسي المصري المخضرم ابو الغيط بين مؤيد ومعارض ، تجعله أمام امتحان صعب يتوقف على نتيجته مصير الجامعة العربية بين انتفاء الحاجة اليها ، أو تبقى مجرد مكان للقاء والقاء الكلمات ..
{{{{{{
كلام مفيد :
نسمع كثيرا عبارة ( قد تعود المياه الى مجاريها ) .. ولكن هل في عودتها تكون صالحة للشرب والاستخدام البشري .. ؟ .. ذلك هو المهم .. وهذه حكمة تعلمنا أن لا نجرح ، أو نؤذي أحدا ، أو نرتكب خطأ بحقه ، ثم نعتذر ، اذ ربما يبقى فيها من الشوائب شيء ، أو لحقها من التلوث ما لا ينفع معه الاعتذار ..
مقالات اخرى للكاتب