قد من الزمن مضى على الاطاحة بنظام البعث وعصابته المجرمة ولازال الوطن يأن من جراحاته... عقد مضى على عبثياته التي حولت عراقنا الحبيب الى اطلال من الخراب والدمار والذكريات المريرة التي طُبعت على جدران الزنازين والمعتقلات التي غيبت خيرة شباب الوطن وأكلت أعمارهم..عقد من الزمن ولازال جسد المجتمع يعاني من قسوة الجلادين ويتلوى من الم سياطهم.. عشرة اعوام ولازالت الذاكرة طرية بمناظر لم يشهد لها التاريخ مثيلاً عانى فيها الشعب العراقي من فترة حكم حزب البعث الدموي الارهابي مالم يعانيه شعب آخر فجريمة قطع الرؤوس بالسيوف لعدد من الشباب لازالت عالقة على جدار الذاكرة كلوحة بشعة يهتز لها الضمير والوجدان الإنساني، ومازالت ذاكرة ذوي الشهداء تحتفظ بصورة (الرفيق) وهو يطالبهم بثمن الرصاصات التي قتلوا بها ابناءهم ويمنعونهم من إقامة مراسيم الدفن والعزاء منظر يقشعر لهُ جسد الكون ويكشف قسوة ودموية البعث ونظامه القذر.. عقد من الزمن مضى على إنهيار المنظومة البعثية ولازال اللون الزيتوني يشكل عقدة نفسية في العقل الجمعي للعراقيين الذين عاشوا تلك الحقبة المظلمة من تاريخ العراق وسط صمت دولي وعربي يكشف نفاق الاصوات التي تتعالى اليوم بالدفاع عن حقوق الانسان والشعوب المظلومة. وفي الوقت الذي لم ينصف النظام السياسي الجديد ضحايا البعث بصورة تتناسب مع حجم تضحياتهم وبالرغم من إن البحث لازال مستمر عن عشرات المقابر الجماعية التي لم تكتشف بعد وهي تُغيب بداخلها آلاف الضحايا ومن أعمار مختلفة ولكنهم من طيف واحد هو الطيف المعارض لنظام البعث والرافض لسياساته ترتفع بعض الاصوات للمطالبة باعادة البعثيين الى الحياة السياسية، والاغرب من ذلك ماجرى يوم السابع من نيسان هذا العام حين أقدم مجلس الوزراء على خطوة غاية في الخطورة من خلال التصويت على تعديل قانون المساءلة والعدالة وتقديمه لمجلس النواب للمصادقة عليه والذي سيسمح للبعثيين بالعودة لمناصبهم ومنح فدائي المقبور صدام الرواتب التقاعدية. هذا القرار اثار جدلاً واسعاً بين الاوساط الدينية والسياسية والاجتماعية، فيما هلل له ازلام البعث والمدافعين عنه تحت شعارات المصلحة الوطنية والبدء بصفحة جديدة حتى يستقر العراق وهذا أعتراف ضمني في ان عدم الاستقرار سببه البعث وازلامه وعليه كان من المفترض ان تكون عقوبة البعثيين مضاعفة لا أن يكافئوا على جرائمهم المستمرة بحق الشعب العراقي !! ومما يثير الانتباه والغرابة هو توقيت مناقشة الموضوع حيث دعي المجلس الى اجتماع طارئ في ذكرى تاسيس البعث المشؤوم ولا اظن ان هذا التوقيت جاء مصادفة بل اكاد اجزم انه كان من تخطيط البعث وتنفيذ ادواته في الحكومة الحالية وقد آل ذلك الى انقسام العراقيين حوله بين منافق مؤيد ومظلوم رافض وبدأ تراشق الاتهامات وكل طرف يرمي الكرة بساحة خصمه. والسؤال الذي يرد في بال الكثيرين هو ماسر هذه الازدواجية من قبل رئيس الوزراء في التعامل مع ملف البعثيين؟! فهو في كل خطاباته يعلن عدائه للبعث ويرفض عودته تحت اي عنوان ولكنه يفتح قنوات الحوار معهم ويستثني اعداد كبيرة منهم ليمنحهم الرتب العالية ويقلدهم المناصب المهمة!! هذا السؤال الذي لم اجد الاجابة له إلا ان يبتغي من وراء هذه الخطوة مكاسب ودعاية إنتخابية خصوصاً واننا على ابواب انتخابات مجالس المحافظات من خلال خلق حالة من التوتر الداخلي تصب في مصلحة الحزب الحاكم وتزيد من الفجوة والتناحر بين مكونات الشعب العراقي، وكان يفترض من الجميع الاحتكام الى الدستور في كل الامور الخلافية، فالمادة السابعة أولاً من الدستور تحضر حزب البعث ورموزه وتحت اي مسمى كان، وحسناً فعل الزعيم الوطني السيد مقتدى الصدر (اعزه الله) برفضه لهذا القرار بكل وضوح انطلاقاً من الثوابت الشرعية والوطنية التي تميز بالتمسك بها دون سواه ويتضح من خلال هذا الرفض ان هذا الامر لايندرج ضمن المطالب المشروعة التي يؤيدها التيار الصدري، فعودة البعث تشكل سابقة خطيرة وهي إنحراف واضح عن الخط الوطني الذي رسمه شهداء العراق بدمائهم الطاهرة عندما وقفوا بوجه نظام البعث، فليس من الانصاف ان يكافئ الجلاد ولازالت الضحية تقطر دماً من سياطه.
مقالات اخرى للكاتب