نبذة تاريخية
يعتبر بعض المؤرخين قيام الماسونية عام 1012 قبل الميلاد مستندين بذلك الى الأسطورة القائلة بقيام الملك سليمان في ذلك الحين بمحاولة بناء هيكله لاتخاذ مقاماً لتعبد اليهود واتقاء الغزوات والسبي التي كان يقوم به البابليون والأشوريون ضد قبائلهم، هذا الرأي تقدسه الماسونية وتتمسك به بشدة في ممارسة طقوسها حتى الوقت الحاضر. وأغلب أساطير اليهود تبنى عليه وعن حق الوطن المزعوم من النيل الى الفرات ، كما أنَّ هناك فريق أخر يرجع قيام الماسونية الى ظهور النقابات في بريطانيا في القرن 12م .
إنَّ السبب الرئيسي لاختراع اليهود الماسونية الذي جعل حكامها من الرأسماليين لمعاونتهم على إعادة بناء هيكل سليمان (المزعوم) .
ويرجعها فريق آخر من الماسونيين الى سنة 1777 بسبب انتقال مرحلة مهمة في حياة الماسونية وهي قبول طلب الانتساب اليها والتي كانت مرفوضة من قبل البنائين جاءت تسمية الماسونية من كلمة (ميسن) أو (ماسون) التي تعني بالانكليزية – البناء – المعمار.
نظام داخلي
والماسونية أسم الجمعية ونظامها الداخلي مكون من فروع تسمى محافل والتي ترتبط بـ (محفل أم) ومحفل أعظم والجمعية هنا سرية بطقوسها وأعضاءها والحرص على عدم إفشاء خصوصيتها لكنها تؤسس بموافقة الحكومات وأماكن اجتماعها عادة تكون معروفة أي بعبارة أدق انها جمعية ذات أسرار (3).
والماسونية اسم منظمة وتعرف باسم جماعة البنائين الأحرار (4).
إنَّ الثـــــــابت تاريخياً هو يـــوم 14//6/ 1717 حيث اجتمع أعضاء أربعة محافل ماسونية رئيسية في لندن وقرروا الإتحاد في محفل واحد سمي(المحفل الأعظم) ، أما بقية دول العالم ومنها على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية ، فقد ظهرت مع مجيء المستعمرين الانكليز والأيرلنديين أوائل القرن الثامن عشر 1734 وانتخب بنيامين فراكلين أستاذاً أعظم(رئيس) للماسونيين في ولاية بنسلفانيا ، ومن الجدير بالذكر أنَّ أول كتاب ماسوني صدر في أمريكا بعنوان (الدستور الماسوني) حتى انه في القرن العشرين أصبح الرئيس هاري ترومان ماسونياً أعظم (5).
ويمكن تصنيف الماسونية في العالم بصورة عامة الى فئتين قديمة وحديثة ، فالأولى هي المنتشرة في بريطانيا وألمانيا والبلاد الاسكندينافية والولايات المتحدة وهي تدعو الى إطاعة الحكومة والانسجام مع النظام القائم ، أما الأخرى هي المنتشرة في فرنسا وأوروبا وأمريكا اللاتينية ، وهي تتخذ مواقف سياسية وتدعو الى محاربة التسلط الديني والاستبداد السياسي، يرى أحد الباحثين في هذا الصدد : ((بينما كانت الماسونية تنتشر في أنحاء الكرة الأرضية فأنها في الوقت نفسه كانت تتطور في أشكال جديدة وفعاليات إضافية وبالإضافة الى الدرجات الثلاث الأساسية كانت تظهر درجات غيرها في أوقات مختلفة بينها (العقد الملكي) المتصل بأسطورة هيكل سليمان ، ومحفل مارك الأعظم وفرسان المعبد والطقوس القديمة ولا يمكن الانتماء لهذه التنظيمات إلاّ الماسونيين القدماء وذوي الدرجات العـــــالية ولكنها درجات اختيارية).
اما بخصوص تاريخ الماسونية في الوطن العربي قديم يرجع الى العام 1789 وتحديداً بعد الاحتلال الفرنسي لمصر عندما قاد نابليون بونابرت حملة الاحتلال على مصر وكان معه بعض الماسونيين ومنهم الجنرال كليبر أحد قادة الجيش الفرنسي وبطلب من نابليون تم تأسيس أول محفل ماسوني سمي محفل(ايزيس) ، وبعد فشل الحملة العسكرية على مصر وخروج نابليون منها قتل كليبر عام 1800 وانتهت نشاطات هذا المحفل ولم يبقى له أي أثر يذكر ، وفي العام 1838 قدمت الى مصر فرق ماسونية من ايطاليا أسست على أثر وصولها محافل عديدة جددت نشاطها السابق تحت رعاية المجلس السامي الإيطالي وقد سمي المحفل في مدينة الإسكندرية باسم (منيس) وفي عام 1871 توحد المحفل الماسوني الفرنسي والإيطالي ، وخلال العام 1887 قرر المحفل الأكبر المصري انتخاب توفيق أستاذاً أعظم له ومع بداية القرن العشرين اشتدت الخلافات داخل المحافل الماسونية المصرية حتى ألغت الحكومة المصرية المحافل الماسونية عام 1954 فيما بعد نهائياً.
وفي الشام التي كانت تجمع سوريا ولبنان وفلسطين والأردن انشئ أول محفل ماسوني عام 1862 وسمي محفل فلسطين وكان تابعاً للمحفل الاسكتلندي ، وقد أسسه القنصل البريطاني العام في الشام وفي عام 1869 أنشئ محفل لبنان الذي كان تابعاً لمحفل الشرق السامي الفرنسي.
كانت منطقة الشام تتميز بتعدد الأديان مما جعل عمل الماسونيين فيها يلاقي مقاومة عنيفة من رجال الدين المسيحي والمسلمين على السواء ، وفي هذا الصدد صدر أول كتاب في الشام ضد الماسونية عام 1872 ألفه الحاج عز الدين محمد بن علي الشاملي وهو من رجال الدين بعنوان(كشف الظنون في حال الفرسون) وفي عام 1911 صدر كتاب من تأليف لويس شيخو بعنوان(السحر المصون في شيعة الفرسون) على حد وصف أحد المؤلفين ومنعت المحافل الماسونية من العمل في الخمسينات من القرن العشرين.
ترويج مصالح
إنَّ الماسونية او(الفرمصونية) كما كانت تلفظ في ذلك الوقت بالعراق مقترنة بالإلحاد واليهودية والعمالة للأجنبي او ترويج مصالحه على الأقل.
لقد تأسست في العراق بعد الاحتلال البريطاني فقد انشأ الانكليز في بغداد عام 1919 أول محفل ماسوني ثم انشأوا في البصرة عام 1925 أول محفل فيها برعاية أحد المحتلين ، ويدعى المستر مور وورد من خلال كلمة ألقاها في المحفل ان تاريخ الماسونية يرجع الى عام 1839 وهي تضم ما يقرب 100عضو في حينها .
وقد نشرت بعض الصحف العراقية في 1 /12/ 1925 خبراً مفاده النص باللغة الانكليزية:
ملخص المقال أنَّ المحافل الماسونية سنة 1925 احتفلت بوضع الحجر الأساس لبناء المحفل الماسوني الواقع على طريق الهند وافتتحه المستر مور وأنها المحافل يبلغ عددها أي أعضاءها 700 عضو .
يرى البعض أنَّ أول من أدخل الماسونية الى العراق وإيران وأول من استحصل على دخول النساء للماسونية هو يوسف الحجي .
مهما يكن من أمر فأنَّ مدينة البصرة كانت أول قاعدة للماسونية في العراق بواسطة الشركات التجارية البريطانية التي كانت تعمل على نشر النفوذ البريطاني في المنطقة ، وتأسست عدد من المحافل في العراق بالبصرة وكركوك وبابل وبغداد وأغلبها تابعة للمحفل الأكبر الانكليزي وكانت كلها تعمل تحت إشراف جمعية الأخوة التي كان مقرها في بغداد ، ولقد اتخذت هذه الجمعية لنفسها واجهات اجتماعية مثل نادي الإخوة الذي تأسس سنة 1934 ومؤسسيه من الضباط الانكليز الذين جاءوا مع الحملة البريطانية لاحتلال العراق.
بلغ عدد المحافل الماسونية بعد الحرب العالمية الثانية وتحديداً عام 1946 أكثر من ثمانية عشر محفلا .
لقد مرت الماسونية في العراق خلال فترة الثلاثينات وما بعدها بمرحلة من الهدوء والتكتم ونقلاً عن أحد الساسة الدبلوماسيين يرى أحد المفكرين الى استفحال الدعاية النازية ثم الدعاية الشيوعية في العراق باعتبار النازية ترى من وجهة نظرها انها امتداد للنفوذ البريطاني والفرنسي ، أما الشيوعية تراها صيغة للنفوذ البرجوازي .
خلال 38 سنة من الحكم الملكي تشكلت 59 وزارة بـ175 وزيراً كان عدد الأعضاء الماسونيين تقريباً 36 من الحكومات السابقة وهذا يدل على انتشارها على الرغم من محدوديته .
ولمّا قامت ثورة 14 تموز 1958 وإعلان قيام الجمهورية تم اغلاق جميع المحافل الماسونية في العراق وإلغاء اجازاتها ، وخلال فترة الستينات وتحديداً بعد عام 1968 وتغير النظام السياسي لصالح حزب البعث العربي الاشتراكي مجدداً اتخذت نفس الإجراءات وعدت الماسونية مرادفاً للصهيونية وحددت عقوباتها بالخيانة ومن يمارس العمل فيها يحكم وفق القانون بالإعدام.
ومما تجدر الإشارة اليه كانت هناك طقوس للماسونية ومنها فكرية وثقافية ، للماسونية طقوس غريبة يمارسها أعضاؤها سواء بقبول عضو جديد او ترقية جديدة او وفاته ، وكذلك من يبلغ السن القانوني بعد 20 سنة ، وأن يكون مؤهلاً مؤمناً بالله وان يدفع بدل الاشتراك عن العضوية وتجري لجنة المحفل مقابلة شخصية والقبول فيها سري ، وأن يكون الشخص ذا مكانة اجتماعية محترمة وأخلاق حسنة وفق المعايير الماسونية ، وأن يتعامل الأعضاء مع بعضهم بصفة(أخي) مهما كان الاختلاف الطبقي بينهم وفق الطبقة المقبولة ، بعده يؤدي القسم راكعاً على ركبتيه رافعاً يديه على (انجيل) او (التوراة) او (القرآن) حسب ديانته والمرشدون(الشماسون) يمدون ايديهم فوق رأسه وبهذه الصورة معلنين قبوله ، ويتدرج في قبوله من الماسوني الكامل الى (الزميل) الى (الأستاذ) .
وكذلك لها عدة فرق والفرقة الأولى هي الماسونية الرمزية العامة ومن مبادئها انصر أخاك : -ولها تعاليمها- عندما نصبح أسياد الأرض ويقوم ديننا فقط من أجل ذلك يجب علينا ازالة العقائد – ولها مراحلها وكما اسلفنا وهي الملوكية والرمزية والكونية ، والعشيرة عند الماسوني تستخدم بمعنى (الجمعية الماسونية) .
وأخيرا يمكن القول ان هذه المنظمات او الجمعيات هي واجهة شكلية وفي حقيقة الامر هي لتغذية الاطماع الامبريالية العالمية .
حفظ الله العراق وشعبه من الشمال الى الجنوب من خطر هذه المنظمات وما شابهها .
الهوامش
– عبد الرزاق الحسني ، تاريخ الوزارات العراقية في العهد الملكي، ج1، ط4، د. ت.
– مالك منصور، حقائق عن الماسونية ، ط1، 1973.
– محمد علي السويدي، موسوعة 1500 سؤال وجواب عن اليهود- الماسونية والصهيونية، ط1، بيروت ، 2004.
– نجدة فتحي صفوة، الماسونية في الوطن العربي، ط1، لندن، 1980.
مقالات اخرى للكاتب