هل رأيتم أو سمعتم أو تناهى لأحد منكم أن أجهزة الكشف لمفخخات الإبادة الجماعية للعراقيين تعمل بأمرة قوى غيبية، يمكن أن توعز لها بالعمل أو برفضه، قوى مشاكسة عدوانية وعنيدة تعمل بطاقية إخفاء وتسيّر هي من يحملها لا العكس؟
كثرت أسئلة العراقيين المحيرة وعادت بعدد الجراد، نجاكم الله منه، ومن (السيد السونار). ومن الآتي من فنتازيا المفاجئات التي عادت سمة لصيقة بوضعنا الراهن والعياذ بالله. ألم تكفي العراقيين تلالُ المحن والمشاكل والمصائب والكوارث وأنهار الدماء على أيدي قتلة القاعدة وقبلها حروب صدام العبثية وبطشه الأرعن، ليأتي السيد الموقر المسمى (السونار) ليزيد الطين بلة ويتحكم بمصائر الناس، وعلى يد الأخوة الأعداء، لتوضع حياة العراقي على كف عفريت ورحمة هذا الجهاز الأحجية، جهاز (اللا كشف) عن بعد، عن المفخخات والمتفجرات والعبوات والقنابر وكاتمات القتل، وغيرها من توصيفات أدوات الموت التي يبدو أن حياة العراقيين ، شأن مئات الألغاز التي باتت سمة الوضع العراقي، لا السياسي فحسب، بل بكل مكوناته، اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا، وخدميا وغيرها من لا كوابح الزحف المخيف الذي لم يجد من يوقفه، باتت لصيقة به، ولا من يخرجه من قمقمه، وعادت قدرا لعينا وكوابيسا تلاحق العراقيين في صحوهم ومنامهم.
ما أجمل اسمه، (سونار)، حتى أن حفيدتي حين رأته في التلفاز، سألتني إن كان بإمكاني شراء واحد لها، وباللغة الفرنسية طبعا، وهي لا تعرف أي شيء عنه وببراءة الأطفال. إذا كانت هذه الطفلة بسنواتها الست، عرفت بحدس غريب، لا أعرف أنا شخصيا سببا له، هذا الجهاز الدلوع؟ فماذا عن الخبراء الأفذاذ الذين أحصوا بحنكة الخبراء البارعين، قدرته على كشف 64 مادة، بإمكان هذا الجهاز العبقري كشفها كما جاء على لسان الاعلامي أنور الحمداني في ستوديو التاسعة، حيث تفتقت عبقرية السيد السجين الضابط الخبير جهاد الجابري، خبير أجهزة الكشف لأجهزة المتفجرات التي حيرت الإرهابيين، ومنعتهم من الوصول لأهدافهم، كما كان يصرح هو، لهذه المواصفات للجهاز المحتال، لتتأكد صلاحيته وكشفه حتى لحاملي البهارات والطرشي، فما بالكم بالمواد الأخطر، المتفجرات وما يدخل بتركيبها،
وتبقى (الفزورة) العصية على الفهم، إذا كانت لهذا الجهاز هذه القدرة على التقاط الخطر وتفكيك المواد عن بعد، فكيف استشهد بسببه، الآف العراقيين مع وجود هذا الجهاز العبقري؟ يقينا أن هناك قوى خفية تتحكم بعمل هذا الجهاز، وبقدرة قادر، كونه جهاز سلفي وعضو فاعل في تنظيم (دولة العراق الاسلاموية)، وصديق حميم لخبراء المتفجرات ومن يحركهم. والله علّام الغيوب.
كل الدلائل تثبت وبالقرائن والأدلة القطعية، أن هذا الجهاز مجرد أكذوبة، وغير فاعل، وليست له تلك الخوارق التي ذكرها السادة الخبراء، فلماذا وافقوا وشرعوا في عمله في العراق خبراء المتفجرات من العراقيين، قبل التأكد من فعاليته، وهم يعلمون أن حياة كل العراقيين رهينة بكشف هذا الجهاز لأسلحة الفتك التي يتوفر عليها القتلة، وهي من الخطورة بمكان، لأن أبسط خطأ سيذهب نتيجته العشرات من الأبرياء المطمئنين على سلامتهم حين ،ضعوا ثقتهم بمن هم مكلفون بحماية أرواحهم من أجهزة الأمن وهم يحملون هذه الأجهزة في كل سيطراتهم، ومع ذلك تم توزيع الآلاف منه للأجهزة الأمنية، وحدث ما حدث من موت وقتل مجاني بسبب هذا الفعل الإجرامي من لدن كل من قام بشراء وفحص وإعطاء التراخيص، بإدخال هذا الجهاز للعمل، مع علمهم، أنه غير فاعل ومجرد لعب أطفال، أليست تلك جرائم خطيرة بحق العراقيين مع سبق الاصرار والترصد؟ ولعلها تفوق جرائم السلفيين وقتلة القاعدة، لأن هؤلاء معروفون للعراقيين، ولكن كيف يعرف العراقي أن من أمّنه حياته هو القاتل الأكبر والمجرم الأخطر والمقامر بحياته لقاء حفنة من مال خسيس وثروة مجبولة بدماء الأبرياء.
هل يعقل بعد أن عرف كل العراقيين أن الضحايا الذين ذهبوا سدى بمفخخات القاعدة، كانت بالتواطؤ مع من أدخل هذه الأجهزة وبدم بارد للخدمة، ولماذا؟ وما الهدف؟
اللعنة على كنوز العالم وأمواله كلها إذا كانت مقابل الدم العراقي الطاهر، وهل يعقل أن الأطراف المتورطة في هذه الجريمة الكبرى لا زالت تصول وتجول وتجمع الأموال، والمؤسسة التشريعية التي هي الصوت الحقيقي للمواطن المظلوم، تظل هكذا بصمت الأموات؟ وأين دور الحكومة المنتخبة؟ وهل هذا هو رد الجميل لمن منحوهم أصواتهم؟ وكيف للناس الذين اكتشفوا اللعبة القذرة التي أدت لقتل أحبتهم وأبناء جلدتهم وبهذه الطريقة المجرمة، السكوت وكأنهم في عداد الموتى، وأين منظمات المجتمع المدني من ثقافية وحقوقية ونسائية وغيرها للوقوف بوجه هذا المد الدموي، إن لم يتحركوا في هكذا فتك بالناس، فمتى يا ترى يتحركون؟
ما أكثر الأحاجي والأسئلة التي لا نجد لها جوابا، حتى عدنا لا نعرف ولا نميز، هل أن هذه الأخبار صحيحة، أم مجرد تهويل لتصفية حسابات!!
هل يعقل أن جهازا لا تتعدى قيمته 75 دولارا يتم شراؤه ب 66 مليون دينار عراقي، وهو جهاز فتّاك، فكم بلغ المبلغ الذي كلف آلاف الأجهزة؟ يقينا سيكون رقما فلكيا، يثير الخوف والرهبة لنا نحن البؤساء حيث لا تتعدى قدرتنا في الحساب أكثر من مليون أو مليوني دينار عراقي في أحسن الأحوال، وعلى كلام عادل إمام.
فان كانت هذه الفجائع صحيحة، فما سبب هذا الصمت وأجهزة السونار لا زالت تعمل، وكأننا نشاهد فيلما فكاهيا للخالد شارلي شابلن، كل حيثياته مفبركة، والموت يتحين بالعراقيين، حتى اختلط الجد بالهزل، ونحن في حالة من الذهول والخوف والغرابة وعدنا نضحك بسخرية مرة، حتى أحالنا الوضع العراقي إلى مجموعة من الحمقى والمجانين.
فأن كانت مفبركة فنريد أن نقف على التفاصيل حتى يأخذ العراقيون القرار السليم والمناسب.
أما ونحن إزاء هذا الملف المضحك المبكي ولا نرى تحركا فعليا وواضحا من أي طرف كان، فتلك هي الكارثة بعينها ولنقرأ على العراق السلام. إن لم نكن قد قرأنا عليه سورة الفاتحة فعلا.
كنت قبل سنوات قد شاهدت برنامجا للسيد خبير المتفجرات جهاد الجابري، وكان يشرح ماهية اجهزة الكشف عن المتفجرات وكيفية كشفها وخبرته الفريدة والنادرة وتحديه للمجاميع الارهابية، أعجبت وقتها بأن العراق يمتلك هكذا خبرات كبيرة من شأنها أن تقضي على فعالية المجاميع الارهابية من أن تنال من العراقيين.
ولكنها كانت مجرد عنتريات فارغة من أجل ذر الرماد في العيون والضحك على الذقون، ومنها نحن الواضعين ثقتنا بهكذا قتلة، والمصيبة هم من نلوذ بهم لحمايتنا، فبشرى لنا بهؤلاء الحماة.
وها هي العصابة التي لا نعرف رؤوسها الكبيرة ولا عدد أعضائها وهي التي تسير البلاد فمن هم سهل وفتح المسارب على مصاريعها لقتل العراقيين. ولا ندري هل لكسب المال المندوف بالخزي والرذيلة، أم بالتواطؤ مع القتلة، أم بالاثنين معا؟
فهل من متطوع كريم يسعفنا بفهم وشرح هذه الظاهرة التي لا توجد في أي بقعة كونية، وليس لها مثيل في التاريخ إلا في عراق الألغاز.
والله أجد نفسي في شك من قدراتي العقلية على فهم ما يدور وأنا بهذه الحيرة، وأكاد لا أصدق ما أسمع، وكأنني في مارستان للأمراض العقلية، فكيف نفسر نزوع نائب رئيس لجمهورية العراق، وهو متهم بتسهيل أعمال ارهابية لقتل من هو مسؤول عنهم من العراقيين باعتباره المنصب الأعلى في الدولة، وهو يحفل بكل شيء من مالٌٍَُ وجاه وحماية ومنصب رفيع، فماذ يريد بعد كل هذه الامتيازات والتي لم يكن يحلم يوما بواحد من الألف منها، مثله مثل وزراء وبرلمانيين ومسؤولين رفيعي المستوى، وهم بهذه (الهيلمة) من الامتيازات والمنافع الخيالية، لنكتشف أنهم مساندون وداعمون وحاضنون ومباركون لمجاميع القاعدة والبعثيين من القتلة والمجرمين؟؟
هل من تفسير يخضع لأدنى شروط السلامة العقلية لهذه الظاهرة المخيفة جدا جدا؟!
قالوا في الاعلام أن البعض قد حذر من أن أجهزة السونار (البطلة) هي مجرد لعب أطفال وغير فاعلة ومدون هذا الأمر والتنبيه في كتب رسمية منذ العام 2009، ومع ذلك استمر العمل بها وتواصل بسببها مسلسل القتل للأبرياء وبرنامج التخريب الممنهج من أعداء العملية السياسية، واليوم وبعد هذه الضجة الكبري وبالقرائن والشهود وأطراف لها علاقة بالسيد السونار ولا من ردة فعل نريدها أقل بقليل من النتائج المرعبة التي سببت استعماله. اليست تلك استهانة لا يطالها الشك بدماء الأبرياء وتبديد أموال العراقيين واستهتار لا مثيل له بحياة الناس؟
إذا حدث عشر هذا الأمر في دول تحترم نفسها لسقطت حكومات ولأمتلأت بهم سجون ذلك البلد ولخرجت ملايين الناس احتجاجا غاضبا لما يحصل ومحاسبة كل المتسببين بهذه الكارثة. فماذا كانت ردة الفعل في العراق؟
وها هو القضاء البريطاني واحتراما لتطبيق القانون وعدم السكوت إزاء أي تجاوز من لدن أي كان، أحال تاجر السونارات المحتال والمجرم إلى القضاء ونال جزاءه، والمشاركون معه في الجريمة في العراق وضد أبناء جلدتهم، لا زالوا يصولون ويجولون وتنتفخ كروشهم وأوداجهم من السحت الحرام يوميا بأموال العراقيين، وليذهب الضحايا لمصيرهم المحتوم و(البركة بروسهم) ودونهم والطوفان لقناعتهم واطمئنانهم بعدم جدوى ردود الفعل لا شعبيا ولا رسميا وهم محميون ومحصنون من أية ملاحقات أو مساءلة.
فهل نحن نبالغ في هذا الأمر الغامض أم أنه واقع حال؟ والكارثة أن من يلامس هذه التجاوزات الفظيعة ويقترب منها، يعتبرونه متسرعا وعنيفا ويثير حساسيات، وبرأي القاطع أن من يفكر بهذه الطريقة ويتخلى عن المسؤولية الأخلاقية والوطنية والانسانية، يعتبر في عداد المشاركين في الجريمة، لأنها دماء ناس، وأموال وطن منهوب، وخراب مستقبل واستهتار ما بعده استهتار بالقيم، سماوية كانت أم وضعية، وانتهاك صارخ بكل المبادئ.
إن مثل هذه الحالات الخطيرة لا ينبغي أن يخضعها المترددون للمساومات والتحالفات، لأننا جميعا مطالبون بتحديد المواقف أمام المقهورين من العراقيين إذا كنا فعلا نشاركهم في المواطنة وحفظ أرواحهم من الفتك الظلامي وحماية العراق من القتلة والمخربين. وليس لي من موقف مغاير، قد يحسبني المراقبون مخاتلا وبأهداف ضبابية.
ويبقى العراق والعراقيون فوق كل اعتبار مهما كانت أهميته وأهدافه.
والتاريخ كفيل بفضح المواقف والحكم على المتخاذلين طال الوقت أم قصر.
وليعلم الجميع أن دم الأبرياء لن تذهب هدرا.
والخزي والعار من الأراذل المتاجرين بدماء العراقيين.
وتبا لهذا السونار السلفي والطائفي بامتياز
مقالات اخرى للكاتب