منذ موجة السيول التي ضربت واسط وميسان وما رافق ذلك من امطار غزيرة جدا، اطلقت وزارة الموارد المائية سلسلة من التصريحات المبالغ فيها الى حد كبير. نعم الامطار التي هطلت اخيرا على جنوب العراق غير مسبوقة وهذا ما يدعو للتفاؤل... نعم الاهوار استوعبت الزيادة الكبيرة من المياه لا شك في ذلك. نعم ذلك يزيد من مساحة الرقعة المغمورة بالمياه. ولكن التصريحات التي صدرت امس واليوم بان الاهوار عادت بنسبة 99% كلام مغلوط جملة وتفصيلا. سوف اسمح لنفسي وانا المتابع لهذا الشان منذ زمن بعيد، وانا ابن تلك المنطقة والذي عاد من جولة حولها قبل ايام فقط سوف اسمح لنفسي بان اخطيء وزارة الموارد المائية بمديرياتها في الجنوب وفي وزارتها في بغداد، بعد سلسلة من الاخطاء التي ارتكبتها تلك الوزارة والتي لازال حتى الان يعشعش فيها من اعدوا خطة تجفيف الاهوار.
ان وزارة مثل الموارد المائية معنية بتنظيم ملف المياه السيادي جدا للاسف الشديد لا تعرف ماذا تريد؟! وان عرفت لا تبادر للتنفيذ، وهذا ما شاهدته بنفسي في كثير من جولاتي حول الاهوار. هناك كميات كبيرة من المياه التي تدخل الاهوار الوسطى "المثلث الواقع بين المحافظات الثلاث" وتخرج منها بزخم كبير ايضا، لكن دون ان تغمر حتى المساحة التي دخلت ضمن خطة الاغمار في خرائط الوزارة، فضلا عن استبعاد مساحات كبيرة من الاهوار من خطة الانعاش لانها تحولت الى مناطق زراعية وصناعات نفطية وما شابه ذلك، وفي عرف الدولة العراقية لا يمكن الجمع بين الصناعات النفطية والمياه هذا ما حصل في السبعينات والثمانينات والعقود اللاحقة. النفط فوق كل الاعتبارات وليذهب الاخرون وبيئتهم للجحيم رغم ان شركات النفط تستخرج الذهب الاسود حتى من اعماق البحار!
وزارة الموارد المائية عاجزة عن وضع حل حتى للشارع الذي يقصم ظهر الاهوار الوسطى والذي يربط قضاء الجبايش والمناطق المحيطة به بناحيتي العدل والسلام في ميسان، والذي انجزه الجيش العراقي في التسعينات من القرن الماضي على خلفية تجفيف الاهوار ومن اجل ان يكون طريقا عسكريا استراتيجيا يشق خاصرة الاهوار الوسطى الى نصفين. ذلك الشارع بقي على حاله حتى ارتفعت المياه فوقه واغرقت قسما منه فما كان من السلطات الا ان قطعته كما فعلت مع الطريق الموصل بين واسط وميسان، احدثت فيه فتحة كبيرة من اجل مرور المياه القادمة من ناظم الخمس الى مناطق زجري وحماره وابو شذر وغيرها من المناطق الاخرى في الاهوار الوسطى. قصدت الوزارة ومديرياتها قبل ايام وسالتهم عن مصير ذلك الشارع هل يعاد مرة اخرى ام يلغى لان مصالح الناس متوقفة على معرفة مصيره، حيث يبحثون عن بدائل تسمح لهم بالتحرك وسط الاهوار خصوصا بالنسبة لمن يمتلكون قطعان كبيرة من الجاموس ويحتاجون للاستقرار في اعماق الاهوار حيث وفرة المياه، كانت اجابات كوادر الوزارة مشوشة الى ابعد الحدود ولا يعرفون اساسا هل مصير ذلك الشارع. ان مشكلة وزارة الموارد المائية انها لا تعرف كم هي الكمية المطلوبة التي يفترض ان تبقيها في الاهوار الوسطى على سبيل المثال كي تسمح للكميات الزائدة بالمرور الى هور الحمار والاهوار الاخرى. وهكذا الامور بالنسبة لهور الحويزة "الاهوار الشرقية".
مقالات اخرى للكاتب