التطور الذي حدث ويحدث في مجال الأتصالات فاق كل المجالات الأخرى من ناحية النوع والسرعة في التطور , هذا الحال اثر بشكل كبير ومباشر على الحياة العامة والخاصة للمجتمعات والدول والأفراد , مما حدى بهم أستغلال هذا التطور والعمل على هذه الوسائل بما يتلائم ومصالحهم وتسخيرها لخدمة اهدافهم .
قديماً كانت الوسائل الاعلامية محدودة ومعروفة في تأثيرها واستخدامها والسيطرة عليها وتوجيهها بما يتلائم ومستخدميها أمثال الراديو والتلفزيون والسينما والمسرح والصحف والمجلات والكتب . كانت الدول تسيطر على هذا كله شكلاً ومضموناً , كل هذه الوسائل تعمل ضمن التوجه العام للدولة ومن يديرها ويحكمها . الدول ذات الانظمة الرأسمالية تتكلم عن حالها والدول الشيوعية تحكي نضريتها وما تصبو اليه كلٌ يحاكي الآخرين ويسعى لكسبهم واقناعهم بما يروّجونه , والدول التي تقف على الحياد بين هذا وذاك ايضاً تحاول بيان فلسفتها وما تراه مناسباً لها في نهجها واختيار سياستها العامة والخاصة , هذه الصورة وهذا المشهد عام يمارس في كل دول العالم يتفاوت بشكل نسبي بين هذه الدول وفقاً لتطورها الثقافي والحضاري ونسبة الاستقرار في مناهجها وانظمة حكمها ونهجها الفكري وثقافتها السياسية فتجد احياناً في بعض الدول وخاصة الاوربية مساحة اوسع في نشر واعلان بعض المواضيع والافكار في السينما والمسرح ونشر وتداول الكتب وغيرها والتي تكون غالباً ممنوعة النشر والتداول في الدول الاخرى كونها تتقاطع مع اهداف هذه الدول , وفي الغالب الدول هي من يعيّن من يعمل في هذه المجالات مثل وسائل الاعلام المقروءة والمرئية والمسموعة . الدول الغربية اكثر ديمقراطية في التعامل والتعايش بأستخدام هذه الوسائل , واستطاعت وتمكنت من استخدامها ضد الكثير من دول العالم واثّرت عليها بشكل مباشر وغير مباشر وخاصة في استخدامها البث الاذاعي وتوجيهه بما يناسبها مما يضطر الدول التي تتضرر من ذلك بأنشاء محطات للتشويش على هذه الاذاعات . تقوم الدول بمنع ما لايناسبها من مطبوعات وصحف بشكل مؤقت او دائم وكذلك تشكيل لجان مراقبة لفحص الافلام السينمائية ومنع ما لا يناسبها وهذا جاري على المسرح والتلفزيون .
في الزمن الراهن ونتيجة للتطور الكبير في مجال الاتصالات كما ذكرنا آنفاً خرجت هذه الامور من سيطرة الدول وتسييرها حسب هواها والدولة التي تحاول منع المتداول في المحيط العالمي ترسّخ قناعة بين شعوبها بأنها حكومة مجحفة وغير ديمقراطية ولا تتعايش مع حالة التطور العالمي وهذا ينعكس سلباً على قيادات هذه الدول من قبل شعوبها وخاصة في مجالات وسائل الاتصال و التقدم في هذا المجال حرر الافراد في الاتصال والتواصل والاطلاع على ما يدور في العالم والوصول الى الحقائق والاطلاع عليها بشكل يسير وواضح خارجة عن حواجز المنع والتشويش مما خلق مشاكل حقيقية للكثير من دول العالم وخاصة الدول النامية مما حدى بهذه الدول العمل على انشاء الكثير من هذه الوسائل بغية استخدامها وفقاً لمصالحها واهدافها وايضاً عملها على شراء ذمم المشرفين والمديرين لهذه الوسائل وخاصة التي يديرها الافراد مثل القنوات الفضائية والصحف الالكترونية وهذه انتشرت بشكل واسع أفقياً وعمودياً ويتم التعامل معها والاطلاع عليها عن طريق الانترنت ففاقت هذه الوسيلة نظيراتها من الوسائل الاخرى , لأنها الاكثر مردود مالي من غيرها مع انخفاض كلفة انشائها من خلال امرين الاول المردود الربحي في مجال الاعلانات و الثاني الدفع المالي لمديري ومسؤولي هذه الوسيلة من دول وجهات مختلفة بغية كف اذاها او تسخيرها لخدمتها ومن يكتب فيها , فتجد الكثير الكثير من هذه الصحف تخدم دولة او حزب معيّن وتتعامل مع كتّاب تتماشى افكارهم وتتوافق مع تلك المكونات . تخبرك هذه الصحف بأنها مستقلّة بقرارها لا تنتمي الى حزب او جهه معيينة غير طائفية لا تسمح بالتجاوز وتحترم الكذا والكذا تعتمد التمويل الذاتي غير مرتبطة* بجهة , وهي كاذبة في كل ما تذكره تجد ذلك عنوان في معظم الصحف الالكترونية العربية وبشكل نسبي الا ما ندر , والعراق نموذج لهذا صحفه الصادرة من داخل العراق او خارجه منقسمة ومطوعة بين اميركا واسرائيل وايران بمجرد ما تذكر هؤلاء بسوء يقاطعونك حتى أضحت الناس تَعزَف عن متابعة مثل هذه الصحف الالكترونية والورقية . قبل احتلال العراق كان الاقبال على شراء وقراءة الصحف اليومية ادمان متفق عليه , في اغلب الاحيان تنفذ من المكتبات بوقت مبكر وفي احيان اخرى يبيعها الباعة المتجولون بأكثر من سعرها المعتاد , واليوم شيء مضحك تُعرَض اربع صحف مختلفة بسعر صحيفة واحدة ولا احد يشتري لرداءة وكذب وزيف ما تتظمنه وتحتويه , وتأتي بالتدرّج في هذا صحف الدول الخليجية ومصر وايران وعلى المستوى العالمي اميركا واسرائيل , الكثير من الكتاب غير مؤهلين للكتابة في الصحف التي تحترم نفسها لكنهم يكتبون في هذه الصحف التي تتمحور على خدمة محددة لجهة بعينها وهذه الصحف تعرف ضحالة كتّابها وهؤلاء يعرفون تفاهة الصحيفة التي يكتبون فيها وهذا الحال ينطبق على القنوات الفضائية ومن يعمل فيها ومن يديرها تبقى هناك حقيقة بأن طبقة المثقفين المدركين الذين يتصفون بالفهم والادراك والنزاهة ممن يديرون ويكتبون في الصحف السليمة الصادقة هم الاكثر تأثيراً واقناعاً فيمايتعاملون به للأدراكهم للأمور وفهمهم لها وإفهامها لمن يبحث عن حقائقها . تعمل الدول والاحزاب على التأثير في الاوساط الجماهيرية الواسعة من خلال ما تنشره وتسوقه من زيف وتزوير للحقائق الكاذبة والتضليل , عندما يكون الكاتب حراً يعبر عن وجهة نظره وقناعاته المتوافقة مع الجماهير الواعية المدركة المبنية على اساس حقائق جوهرية سيكون تأثيره عالي في هذه الاوساط مما يعرضه الى شتى الضغوط بغية تكسير قلمه اومنع وحجب مايريد نشره واحياناً تقوم الجهات التي يتقاطع معها الكاتب بتسخير اشخاص مهمتهم التهجم على مثل هؤلاء الكتّاب بشكل غير لائق وغير اخلاقي بغية التقليل من شأنهم والتشويش على مواقعهم وعناوينهم الالكترونية واحياناً اتهامهم بالعنصرية والطائفية وغيرها من الامور , في مرة كنت اكتب في البي بي سي موجهاً نقدي للولايات المتحدة الاميركية لأحتلالها العراق وغزوه بدون مبرر رد علي فريق التواصل الالكتروني الاميركي الذي يدعي ارتباطه بوزارة الخارجية الاميركة بينما هومرتبط بالمخابرات الاميركية ليقول لي انك لست عراقي بشكل عام القارء يفهم ما يقال وما ينشر ويدرك حقيقة المحيط الذي يتعايش فيه . أغلب وسائل الاعلام توجه من هيئات مرتبطة بمراكز قرار حزبي او الحكومي الا ما ندر قديماً وحديثاً , التطور الحاصل في هذا الموضوع هائل ومؤثر بشكل كبير مما أرغم ويرغم الكثير من الادارات صاحبة الشأن والقرار على اعادة النظر في فكرها ونظرياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما يتلائم وقناعات جماهيرها والوسط الذي تعمل فيه أو انتظار ثورة هذه الجماهير عليها وعلى ما تدعيه .
مقالات اخرى للكاتب