الوهْم(مع تسكين الهاء) لغة: هو سبق القلب إلى شيء مع إرادة غيره، أما(مع تحريك الهاء) الوهَم : فهو مرادف للخطأ .فيقال له أوهام: أي له أخطاء، وهو: ما يقع في الذِّهن من الخاطر او الطَّريقُ الواسع، وفي (علم النفس) شكّ، وسواس، اعتقاد خاطئ يؤمن به المرء بقوّة بالرَّغم من عدم وجود أدلَّة عليه، اي تصور لأمور هي خلاف الحقيقة والواقع وهي خاصة وداخل نفسية وشخصية الشخص الموهوم.
والوهم انواع منه ما هوعاطفي واجتماعي واقتصادي وديني ومذهبي، ومن اخطرها الوهم السياسي لان تأثيره واضراره لا تقتصر على الشخص الموهوم الذي قد يصيبه مرضاً نفسياً او يتصرف سلوكاً يضر نفسه او الدائرة القريبة منه في حالات الوهم العاطفي او الاجتماعي مثلاً، لكنه في حالة الوهم السياسي يؤثر على غيره وعلى مجتمعه وبلده وامته ولا نبالغ اذا ما قلنا انه قد يهدد مصير شعب وامه وموقعهما ومستقبلها في العالم.
والواهمون السياسيون كُثر وصفحات ووقائع التاريخ البعيد والقريب تمتلأ بقصص واحداث عمن توهموا سواء بفعلهم الخاص او بفعل المحيطين اوالمؤثرين عليهم فتاهوا وتاهت مجتمعاتهم وضاعت شعوبهم واوطانهم بسبب الوهم الذي سيطر على شخص او مجموعة اشخاص ثم انتشر كالفيروس الى شعوب واوطان.
وما حدث في جلسة برلمان كوردستان يوم الثلاثاء 23 حزيران جعلنا (نتوهم) ان جميع الاخطار والتحديات والازمات والمشكلات الداخلية والخارجية للاقليم قد انتهت، فقد تم دحر داعش وتحقق الانتصار النهائي عليهم، وتم تحديد حدود كوردستان وعادت المناطق المتنازع عليها او المستقطعة الى كوردستان، وحلت مشكلة الكهرباء بحيث اصبحت 25 ساعة باليوم، وكذلك تم حل جميع ما يفكر ويريده المواطن من توفر الماء على الدوام وحل مشكلات الاسكان والطرقات وتم الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية، كما تم بيع نفط كوردستان وحل مشكلات البطالة والتعليم والصحة والجامعات والفائضين عن العمل بحيث اصبحت (الدنيا ربيع والجو بديع مما يتطلب اقفال كل المواضيع)..حسب الاغنية المشهورة للمرحومة سعاد حسني.
نعم مادار في تلك الجلسة وما صدر منها جعلنا نتوهم ان كل شئ مضبوط مائه في المائة بحيث لم تبق لنا اي مشكلة اوهم الاّ تحديد صلاحيات رئيس الاقليم وانتخابه من قبل البرلمان وليس الشعب.
هكذا بكل بساطة يحاول السادة اعضاء البرلمان الذين من المفروض ان يعرفوا ان مهتمهم وعملهم في البرلمان مقتصر على مهتمين اساسيتين: تشريع القوانين ومراقبة اعمال الحكومة.
لكن السادة النواب تركوا مهماتهم ومشاغلهم وانصرفوا لمهمة اخرى وانشغلوا بمناقشات بيزنطينية اشبه بالنقاش حول اصل البيضة من الدجاجة ام الدجاجة اصلها من البيضة.
وهكذا توصلوا مرة واحدة الى قرار مشترك بعرض عدة مشاريع لرئاسة الاقليم واهمين ومتوهمين ان مثل هذا التصرف يمكن ان ينجح ويمكن ان يفرضوا ارادتهم على شعب اقليم كوردستان.
فلو نزل السادة النواب الى ابسط شارع في اربيل او دهوك او السليمانية او ابعد واصغر قرية كوردستانية وسئلوا الناس ايهما افضل : انتخاب رئيس الاقليم من قبل البرلمان ام من قبل الشعب؟ لعرفوا الجواب وعرفوا شخصية الرئيس القادم، وهو ما اكدته العديد من البرامج والاحصائيات التي تُنشر هنا وهناك ومن امثلتها استفتاء قناة NRTوهي قناة مستقلة وغير تابعة لاي حزب كما (هم يصرحون ويعتقدون) عندما صوت اكثر من 85% على اختيارهم ورغبتهم بتولي الرئيس مسعود البرزاني رئاسة اقليم كوردستان*.
لقد نسى السادة النواب واقعهم وتوهموا انه يمكن ان يمرروا مشاريع الابعاد والاقصاء التي يريدون اقرارها وبسطها بارادتهم المشوشةعلى عموم شعب كوردستان وهو ما لا يرضونه هم في قرارة انفسهم وما لا ترضاه الفطرة السليمة والنظرة السديدة والارادة الحكيمة التي تقول:
انه لا يمكن لكوردستان ان تُدار وتُحكم وتسير وتتطور وتعيش بامان واستقرار من غير مشاركة الجميع والتوافق على البرنامج السياسي والحكومة والمناصب، والبرلمان الذي هوأول وافضل واوضح دليل على التوافق وليس الاصوات التي حصل عليها السادة النواب، والذي كان عليهم اولاً ان يتحسسسوا الكراسي الجالسين عليها والتي يوجد الكثير ممن هو أجدر وأفضل وأحق منهم بالجلوس عليها لكن سياسة التوافق هي التي اوصلت هذا وذاك الى ماهم عليه اليوم، لكن الوهم اوصلهم الى امكانية توصلهم الى قرار منفرد لهم او لاحزابهم، ونسوا انه لا يمكن باي منطق او حال اقصاء او ابعاد اي طرف مهما كان حجمه او تمثيله صغيرا او كبيراً من ساحة القرار والفعل المطلوب.
واهمون بلا حدود كل من يظنون او يفكرون او يتصورون ان اقليم كوردستان يمكن ان يوافقهم او يؤيدهم فيما هم يريدون ان يسير فيه الاقليم والوصول الى حالة الصراع والاختلاف، فشعبنا والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمناخ العام والقانون السائد في العراق والاقليم هو التوافق وليس الاتفاق بين البعض او قسم من الاحزاب والقوائم وان هذه السياسة على عيوبها وسلبياتها هي العلاج الموجود اوالافضل للمجتمعات التي عانت او مرت بتجارب قاسية مثلما مر على العراق والاقليم.
مقالات اخرى للكاتب