واهم ذاك الذي يظن ان الازمة في العراق لا حل لها ،وان بناء بلد على غرار بلاد الله صار شائكا ، ودربه وعرا ، الجميع يعرف اين تكمن الحلول ، ومن اين يفترض البدء، وماذا يجب ان يتخذ ، لكن عندما تغيب الارادة ، وتهيمن المصالح الضيقة ، وتنعدم الثقة ،وتصوب الانظار الى اشقائنا واصدقائنا في العقيدة ، عند ذاك تبدو الامور كالمثل العراقي القائل ( وشيعة وضايع راسها ) .
العارفون بالامور شخصوا مبكرا ان علة العملية السياسية تكمن في المحاصصة، وان التراخي في التصدي لها جعلها سرطانا التهم احلام العراقيين الذين قضوا جل أعمارهم بانتظار الغد المشرق الذي تحدث به المناضلون وتقهقر على ايدي العملاء وبعثره المجاهدون ، ومع ان الذين قدر لهم ان يمسكوا مقود العملية السياسية يدركون تمام الادراك ان المحاصصة الغارقين فيها والمدافعين عنها هي التي أنعشت الاحزاب والتيارات ومولتها حتى صارت اقوى من الدولة ، وان تأثيراتها في الواقع أبلغ من القانون ، فضعف القانون وهزل ، وماعاد عموم الناس يثقون به ، ولا يهابه الخصوص ، وان اول منتهكيه من قاموا بتشريعه ومن كلفوا بتطبيقه، وان أجهزة الامن غدت تتحسب كثيرا لتلك الاحزاب التي تتحصن بأجنحة مسلحة لا يستهان بها ، يجول ويصول افرادها كيف يشاؤون ، ومن صولاتهم ما يحرق قلب الامهات، ففر رأس المال مهزوما ليستثمر عند الاخوان والاشقاء الذين لا تفصلنا عنهم سوى ( شمرة عصا )، مع ذاك الادراك الا انهم لم يحركوا ساكنا ، ولم يضحوا بنفيس ، ولم يتنازلوا عن مكسب ، او يترفعوا على امتياز ، ومنهم من وضع الظلاميين في الاحضان حتى تسيدوا الديار وسبوا الحرائر، بينما أمام الانظار يشرد الاطفال وتهجّر العوائل وترمل الفتيات في العشرين ويستشهد الشباب في مقتبل الاعمار، يا أيها (……)، نحن سائرون نحو دولة الطائفة والعشيرة التي بدت ملامحها تتضح للعيان ، يوم ابتعلت احزابكم الدولة ، فالفساد لم يعد نهبا لاموال العراقيين فحسب ، بل تغلل حتى صار يرسم سياسة الدولة ويحدد مساراتها ويخل بأمنها.
واذا كانت المحاصصة بكل هذا السوء والجميع عارف بها ، ويدعوا بعضكم الى القفز عليها ، فماذا فعلتم للخلاص منها ، وماهي الاجراءات العملية التي يفترض اتخاذها ، ومن هي الجهة التي بمقدورها فعل ذلك ؟.
ان المحاصصة وليس غيرها من قضت على الوظيفة الرقابية للبرلمان ، وحولته الى وكر لعقد الصفقات وحماية الممولين وبقائهم في مناصبهم ، وقبة للابتزاز وارعاب الخصوم وغير الموالين ، وجعلت التقاتل على اشده للفوز بهذه الوزارة او تلك ، وهي دون سواها من جعل وزارة الثقافة لا تعني شيئا مقابل وزارة النفط ، وان وزارة المرأة ليست بقرة حلوبا كما هي الداخلية او الدفاع ، أتذكرون من تفوه بهذا القول ؟ .
وأيقن الوزراء والوكلاء والمدراء ان بقاءهم في مناصبهم وحماية حياتهم وعوائلهم وتأمين مستقبلهم مرهون بمدى رضا الاحزاب التي رشحتهم ، واستجابتهم لما ترغب ، وفتح ابواب خزائن الوزارة والدوائر . فغدا الوزير واعوانه أداة بيد رئيس الكتلة وليس رئيس الوزراء ، يعمل للحزب اكثر مما يعمل للوطن ، اما من يتمرد فالويل والثبور له.
يظن المفلسون أمثالي ان من بين الحلول اطلاق الحرية لرئيس الوزراء في اختيار تشكيلته الوزارية التي يرى ان نجاحه معقود عليها ، ليتسنى لكم وللناس محاسبته على ماحقق وما اخفق ، ونغلق باب الذرائع بأن هذا مفروض عليه وذاك يعرقل عمله ، فهل يفعلها الرجل ، اننا بحاجة الى رجل يعدل المسار ولا يعدل الوزارة ، وبغير ذلك لن نشهد لمنظومة الفساد تفككا وللطائفية انكسارا وللبلاد نهوضا وللناس راحة .
مقالات اخرى للكاتب