أكد رئيس وزراء العراق السيد العبادي أنه يرفض النهج الطائفي ومحاصصاته التي ميزت السياسة العراقية ويلتزم بمطالب الشعب ذات المضمون الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وإذا مورس هذا التوجه فعلاً فسيصب في مصلحة الشعب العراقي وتقدمه ويوفر مستلزمات معالجة المشكلات القائمة، بما فيها التخلص من المحتلين الأوباش والفاسدين. وجد هذا التصريح تأييداً من الشعب ومن المرجعية الدينية الشيعية والمؤتمر الإسلامي لعلماء الدين السنة أخيراً واقترن بالدعوة لإقامة مجتمع مدني ديمقراطي.
وأفترض جدلاً إن العبادي يدرك طبيعة العلاقة الجدلية بين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهي علاقة متبادلة الفعل والتأثير والنتائج سلباً أو إيجاباً. وبالتالي فإن رفضه للطائفية السياسية ومحاصصاتها وتوافقاتها المخلة بمبدأ المواطنة وحقوق الإنسان، وهذا يعني رفضه للسياسات الاقتصادية التي مارسها نظام الاستبداد والحروب والقهر البعثي الصدَّامي أولاً، وتلك التي مارسها نظام الطائفية والمحاصصة في فترة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، والتي ما تزال قائمة حالياً ولم توأد، إذ إن النهج السياسي–الاقتصادي–الاجتماعي-البيئي في الحالتين قاد إلى تعميق وتشديد الطابع الريعي النفطي والاستهلاكي في الاقتصاد العراقي واستمرار التشوه في بنيته وبنية الدخل القومي وسو توزيعه واستخدامه والابتعاد عن التصنيع وتحديث الزراعة والتشغيل الإنتاجي للأيدي العاملة والتضخم في أجهزة الدولة الإدارية والبطالة الواسعة والفساد المالي والإداري كنظام سائد وفاعل ومدمر وتوجيه موارد النفط صوب الاستيراد بدلاً من التنمية وتحقيق التراكم الرأسمالي الضروري لاقتصاد البلاد. وقاد هذا النهج إلى تفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء في المجتمع والدعوة إلى نهج اللبرالية الجديدة الذي تدعو له المؤسسات المالية والنقدية الدولية، النهج المعارض في أغلب بنوده لمصالح اقتصاد العراق وشعبه. وافترض أن العبادي يعرف بأن هذا النهج الرث في السياسة يخدم مصالح فئات اجتماعية صغيرة بعينها، وهي بالضد من مصالح الغالبية العظمى من الشعب العراقي، وخاصة الفئات العاملة والمنتجة والكادحة والفقيرة. وهي الفئات التي أعلنت رفضها للنهج الجاري وتطالب بنهج سياسي واقتصادي واجتماعي وبيئي جديد يخدم مصالح الغالبية العظمى من الشعب وليس مصالح تلك الفئات المافيوية الرثة التي ترتبط أجزاء مهمة منها بالفساد المالي والمافيا التي سيطرت على العراق وأدارته خلال العقد الأخير. وقد أدى نهج المالكي الفاسد في الحكم إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد والمجتمع ومزق وحدة الشعب وإلى احتلال أجزاء من الوطن وتفاقم الصراعات بين مكوناته واستنزاف موارده.
وأفترض إن العبادي يدرك أيضاً بأن العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية تشكل وحدة عضوية ويستوجب إصلاحها اتخاذ نهجٍ جديدٍ في كل مكونات عملية التنمية الوطنية ووعياً بضرورتها وبدور الشعب وإرادته ومصالحه في تحقيقها وقطف ثمارها. كما أفترض جدلاً إنه يدرك بأن الخلاص من النهج السابق لا يعتمد على أولئك الذين رسموا ونفذوا تلك السياسات، بل على إبعادهم ومحاسبة من يستوجب محاسبته أو محاكمته منهم لا بهدف الانتقام، بل لما تسببوا به من عواقب وخيمة على الاقتصاد والمجتمع. وإن النهج الجديد المزمع استخدامه يتطلب وعياً وكادراً جديداً. وهنا افترض أيضاً بأن السيد العبادي يعرف بوجود المئات من خيرة العلماء في علوم الاقتصاد والاجتماع والنفس الاجتماعي والهندسة والاتصالات وكل الاختصاصات الأخرى في الداخل والخارج الذين لم تستثمر طاقاتهم وقدراتهم لصالح التنمية الوطنية الاقتصادية والبشرية والبيئية.
وأفترض بأن العبادي يدرك إن التغيير ليس عملية اعتيادية بل هي معركة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية كبيرة ومعقدة وتستوجب الشجاعة والإقدام والسرعة مع توفير العدة اللازمة لخوضها، إذ إن من يقف بوجهها يمتلك الكثير من الأدوات والوسائل والسبل لإعاقتها بل ووأدها أيضاً. ولهذا لا يكفي الحديث عن الرغبة، بل لا بد من العمل لبرمجة الأهداف وآليات التنفيذ والمتابعة، إذ إن الجديد لا تواجهه معركة واحدة بل معارك على جبهات كثيرة، ومن الباطن أيضاً.
إن هذا يعني إن السيد رئيس الوزراء بحاجة إلى كادر يحمل هموم الوطن والشعب وأياديه غير ملوثة بالاستبداد والإرهاب والقتل والفساد، ليضع الوجهة المرجوة لبناء المجتمع المدني الديمقراطي، لدولة علمانية تفصل الدين عن الدولة وتحترم استقلال السلطات الثلاث والديانات والمذاهب وشيوخها وطقوسها. ويمكن لهذا الكادر رسم السياسات الجديدة ليخرج الاقتصاد من ريعيتيه وتشوهه وسوء توزيع واستخدام دخله وبطالته والفجوة المتسعة بين مستوى حياة ومعيشة سكانه ونهب خيراته وابتعاده عن التنمية الصناعية والزراعية وتنويع دخله. إنها المعركة الحقيقية للشعب العراقي التي ينبغي أن يخوضها الشعب العراقي وينتصر فيها. والسؤال الأهم: هل في مقدور العبادي أن يتحرر من الفكر المغلق والمتخلف لحزبه وينطلق إلى فضاء الوطن والمواطن والتفكير المستقل؟ الجواب عنده وعند الشعب الذي يريد التغيير!
مقالات اخرى للكاتب